فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
عندما تقف وأنت تقرأ في كتب التصوف على عبارة "لغة القوم" فإنهم يعنون بذلك أن تكون الإشارة أبلغ من العبارة.
ومن الطريف أن الشيخ الصوفي أحمد بن أبي الغيث محمد بن حسان بن سنان، أحد رجال التصوف في محافظة تعز، بينما كان يؤدي فريضة الحج، عزم أن يقوم بإلقاء بعض دروس ذات طابع صوفي فسمعه أحد رجال الوهابية من نجد، وفي آخر الدرس قال له: يا شيخ اتق الله، إن الصوفية شرك بالله والعياذ بالله، ولكن أريد أن أصحبك في ما بقي من أيام، فإما أن تدحل في ديني الوهابي فتسلم أو أدخل في دينك الصوفي فأكفر معك.
ولازم الشيخ لأيام وليال، وبعد أداء صلاة الفجر خرج الرجلان (الوهابي والصوفي) فإذا بهما يسمعان عبارة -على سبيل الدعاية- تخرج من فم صاحب (جرة) يبيع فيها فولا، كان ينادي فيقول: "من ذاق عرف"، فقال له الشيخ أحمد بن حسان: "هذا فراق بيني وبينك"، وهذا يعني أن الشيخ النجدي لم يستطع أن يتذوق هذا العلم الذي ينسبه المتصوفة إلى الله: "وعلمناه من لدنا علما".
إن لغة التصوف أعلى درجة من التكثيف والتركيز والإيجاز، فمن ذلك قول ابن عطاء الله السكندري: "الإنداد على قدر الاستعداد". أقول هذه المقدمة بمناسبة مشاهدتي بعض الأعمال الدرامية في ليالي رمضان الفائت، وتحديدا "ليالي الجحملية"، للكاتب الدكتور وسيم القرشي الذي حاول أن يتناص مع عمل مصري ممتاز "ليالي الحلمية" وعمل سوري أكثر امتيازاً "باب الحارة"، فإننا كنا نتوقع أن يناقش هذا العمل قضايا مهمة ذات طابع يمني أسوة بالعملين الممتازين، السوري والمصري، إلا أنه أخفق تماما وشغلت النص من أول العمل إلى آخره (مركزية) "فقي" الجحملية الفنان فهد القرني، لتتمركز الفكرة من أولها إلى آخرها حول المتصوفة الذين هم -كما يدعي المؤلف- أولئك الذين يبيعون الدين بعرض من الدنيا قليل، ويبدو أن الرصاصة ارتدت إلى وجه الرامي، فلقد ذهب بعض السامرين إلى أن الفكرة أيديولوجية بامتياز حاول كل من الكاتب وسيم والفنان فهد أن يعرضا بالإسلام (الدروشة والشعوذة) فإذا بالعمل المذكور يقدم الأيديولوجيا التي يلتزمانها، وهذا شأن خاص بهما كل من الكاتب والممثل.
من حق وسيم وفهد أن يكون لكل منهما اتجاه فكري أو حزبي، ويكفل ذلك القانون والعقل الحر، وكذلك من حق النظارة أن تحترم اتجاهاتهم وعقولهم اللهم إلا إذا ذهبنا مذهب "تسخين" الوجوه.
ملاحظة فنية: كنا نحبذ أن يفصل بين الفقي والعاقل، وكنا نحبذ أكثر أن يعطى "لباس العالم" شيئاً من جلال ووقار.

أترك تعليقاً

التعليقات