فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -

من معطيات الحقيقة أن جهتي السلطة والإسلام منفكة، لا صلة. ولقد يكون مناسباً أن نشير إلى أن هذا المعطى له "تأصيل" في الذهنية البدوية العربية، فلقد مثل شيخ القبيلة بعداً مركزياً لاحتكار السلطة، فهو الشيخ الحاكم (الشامل)، "فيصل" الحكومة بين المختصمين، وهو المعطي حين يعز العطاء للمحتاجين، وهو الملاذ حين تبخل السماء بقطرها، وهو -غالباً- عراف يُعجز الطبيب المداوي... ولقد تهاوت كثير من معالم السلطة القبلية، حين أشرقت الأرض بنور الإسلام. ولقد كان من الصعب (وهذه سنة طبيعية) أن يمحو الدين الجديد كل ذاكرة العربي البدوي، ففي هذه الذاكرة كثير من العادات (المستحكمة)، كالتفاخر بالأصول. فالرسول الكريم عليه الصلاة والسلام يقول موبخاً أحد أصحابه استقصر صاحباً آخر: "إنك امرؤ فيك جاهلية". وجهر أحدهم لم يستوطن الإيمان قلبه في سطح السقيفة: "منا أمير ومنكم أمير".
ويستمر الأمر حتى اللحظة، ليتخذ الأمر صلة الحاكم بالمحكوم، ليس بحكم العادة، ولكن بإضافة المقدس، ومن هنا يصبح التغيير أقرب للاستحالة منه إلى الممكن. فما يقوله الزعيم فوق ما يقول البرلمان. وحدثني المرحوم عبدالحبيب سالم مقبل فقال: "هل تدري ما قاله الشيخ، شيخ حاشد أو بالأصح ما أمر به أصحابه؟!... هاتوا لي هذا الحمار حياً أو ميتاً! فهربت إلى القرية". ولما سألته عن سبب هذا التهديد مع أنه عضو في البرلمان وله حصانة، وليس حصاناً، قال: "السبب ما كتبته في "صوت العمال"، وهي مجموعة مقالات تحت عنوان "شيخ البيعة"، وللأسف أن الذين كلفوا باعتقالي صديقان يأكلان في الغالب ويشربان في بيتي"، وسماهما لي، وكنت أعلم أنهما مخبران من أبناء جهاز الأمن السياسي، الجهاز الذي كان رئيسه مرشحاً لفخامة رئيس الجمهورية، فوجه فخامة "الذي قتل نفسه" بقتله في أقرب فرصة ممكنة... والحكاية تطول.
الإنسان العربي يعاني من عقدة نقص، فهو يطمع أن يكون في كرسي "الإله". ولقد كلف أحد المخبرين بأن يرسل أي موضوع لعبد الحبيب قبل طباعته في "الجمهورية" وفي "صوت العمال". الأصل في هذه الحكاية أنني سمعت خبراً مفاده أن مجاميع من "المقاومة" (ويسميها كثيرون "المقاولة") رفضوا أوامر سادتهم باستمرار القتال، لأن هؤلاء سرقوا مرتباتهم، فانهزموا في الجوف. لهذا السبب فالجهة "منفكة" بين القائد والمقود!

أترك تعليقاً

التعليقات