مقامة الكدمة في كشف الخدمة
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
قيل إنه في أيام زمان وسالف العصر والأوان كان مولانا الإمام رحمة الله عليه وعلى جميع الأنام، قد قرر للعسكر بعض «الكدم» ليقيهم سوء الجوع وشر الهم والهرم... وكانت «الكدمة» مكونة من جميع الحبوب، ولها رائحة أعطر من الطيوب، يأكل الإنسان فتكفيه بمجرد أن يضعها في فيه. ويا سلام لو غمست بالسحاوق وأضيف لها قليل من المرق الحارق! أما الآن فقد جاء بدل منها خبز يسمى الروتي، يكاد بعد أكله الآكل يا نفسي موتي موتي، فهو بمقاس قلم الباركر، لا يكفي الطفل منه اثنا عشر، يعقب أكله بطن تضج وعين تثج، ورغم ذلك فإنه محجوب لا يرى، يستوي في ذلك الأغنياء والفقرا.
وقد أوهمنا موظف أمين العاصمة بأن سيصدر قراراً لا يبقي عليه لائمة، فحدد السعر بالميزان والله المستعان، فإذا الميزان خسران، كما لو كان الوزان رجيماً شيطان، فلقد برمج الميزان أصحاب الأفران، ليصبح المواطن جائعاً لا يسد رمقه ورمق أطفاله الألف والألفان. وما إن حلّق الكرب وأحدق الجدب سمع الموظفون صوت الإذاعة، بقلوب ملتاعة، يبشر بصرف الراتب، فإذا الخبر سعد الشاغب واللاغب بأن الفرج قادم على أصحاب الشيلان والكرافتات والعمائم. وظل أصحاب المقالات يستمهلون أصحاب المخابز والبقالات، بأن الصرف لقضاء الديون من العيون، وبأسرع ما يكون، لأن وزارة الخدمة المدنية قد طلبت إلى الوزارات سرعة إنجاز الكشوف لوقاية الشعب من الحتوف، فبادرت مؤسسات الدولة الفتية بسرعة المفلّس تستنجد الوزير المغلس، والشعب بين يقظان ومنعس. هذه المرأة تستمهل رضيعها من أن الحليب سيكون غداً إن شاء الله، والحمد لله الذي لا يحمد سواه ولا يخيب من رجاه، والأب لا يستطيع دفع رسوم المدرسة ومصروف البيت والعيال، فإذا بالشهر يتلو الشهر، والفقر يتبعه فقر. فلا يقوم معالي الوزير بالواجب، ولا تتخذ الحكومة شجاعتها فتحاسب وتعاقب، ولا يعلم الموظف من يعاتب. ويا أخي في الجبهة المقاتل، تعال لتناضل معنا وتقاتل، فقد كثر الفساد بالأدلة، وأصبحت الشكوى لغير الله مذلة، وأصبح المرجفون في الداخل، لا يرحمون الأعزب والعائل. فنناشد السيد القائد، فنعم الأخ هو والابن والوالد، أن يبادر بكشف الغمة عن هذه الأمة، فلقد بلغت المسغبة أشدها ومنتهاها... فالضباع يا مولانا تأكل الناس الجياع.

أترك تعليقاً

التعليقات