فضول تعزي
 

محمد التعزي

تتطلب مسيرتنا القرآنية أن نصنع ونحسن صنعاً، وليس لنا فعل ذلك قبل أن نبادر إلى التخطيط، فالعصر عصر التخطيط، وليس عصر الارتجال والعشوائية والشعوذة. ولا بد قبل إنجاز المخطط أن نستدير إلى الخلف لنتمكن من الموازنة والمقارنة لنعرف أثر "الهوشلية" في صناعة "ثلاثينية" زمنية من الفوضى أدت في النهاية إلى سقوط نظام غير مأسوف عليه!
إذا كان يتم تشكيل الحكومة في المقيل، على اعتبار أن فلاناً "باهر"، أو على اعتبار ما يرشح به "حمران" الزعيم انطلاقاً من "قراحة" القات! ويحضرني هنا مفاجأة سارة لمختلس بضعة ملايين في القاهرة، فزيارته للأخ السفير ليبارك له منصبه الجديد وزيراً لمؤسسة تربوية، احتمال أن يكون المنصب الجديد مكافأة له على "الهبرة" الموفقة، ولمزيد إيضاح ننظر في 90 % من حكومة فخامته الذين هبروا وازدادو هبراً.
كان عبدالناصر أستاذاً في أكاديمية عسكرية علمية في ما علمته أن مستقبل أي أمة إنما يكون في التخطيط، وبعد أن صعد رئيساً كان يقترح غالباً أن يكون هناك حسن التخطيط من خلال اختياره معاونيه وأعضاء حكومته، ولربما يكون الأستاذ "ثروت عكاشة" مثلاً، فلقد كان سفير مصر في إيطاليا، وإذا به يسمع أنه أصبح وزيراً للثقافة والإرشاد القومي، فارتحل أول طائرة للقاهرة بعد 3 أيام من قرار التعيين، ليقابل جمال ليقدم استقالته من منصبه الجديد، ولكن جمال وضع أمامه العبارة الآتية: "إن علم المسؤولية جدير بأن يثير ما عهدته فيك من إقدام. ثم ما الذي ستفعله في وزارة الثقافة غير تحقيق أحلامك التي كنت ترددها على مسامعي قبل الثورة وبعدها".
فلم يك بداً من أن يقبل عكاشة مهمة التأسيس والبناء، فنتج عن ذلك الاختيار بناء أهرامات عكاشة: "أكاديمية الفنون" و"هيئة قصور الثقافة" و"هيئة الآثار"، ليبدأ الوعي المصري في التشكل الإيجابي. وبضربنا عكاشة ـ أستغفر الله ـ بل جمال مثلاً للعبرة انطلاقاً من تشابه الظروف بحكم المرحلة التي يعيشها شعبنا اليمني البطل.
إن مما يؤسف له عدم فاعلية ما تيسر من مؤسسات في الماضي الذي أنتج عشوائية نعيش سلبياتها. وإذا كان "الاحتلال" التركي قد عمل على تشييد بعض المؤسسات أرهقت كاهل اليمني البائس، ثم جاء النظام الإمامي الذي استخدم شعاراً لمواجهة أعوان الرمادة: "من مات مات شهيداً ومن عاش عاش سعيداً"، ليخلفه نظام "من أراد أن يأكل فمن فوق الرأس"، فأكلوا اليمني المسكين من رأسه حتى جوارب حذائه، فليس من بد أن نحترم الزمن الذي نرجو أن يكون سعيداً من خلال حذف الاختيارات العشوائية لرجال المؤسسات التي ينبغي أن تكون موفقة.
أقول دون مواربة وبصريح القول وصدقية العبارة: حين نختار وزيراً أو عضو مجلس شورى أو مدير بلدية، لا بد أن نختار وفق ظروف تحترم الماضي والمستقبل، أعني في مرحلة التأسيس، خاصة وبلادنا تواجه راجمات الصواريخ من السماء ومجنزرات الأرض ولاهبات البحر، وإذا أردنا تكريم إنسان فبالإمكان ملء جيبه بالنقود خيراً من ترؤسه مؤسسة تهدم نوايانا الطيبة وإمكانات بلادنا المواجهة لشرور العالم.

أترك تعليقاً

التعليقات