اليمن من الداخل
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
لا بد من تعاون المواطن اليمني مع الدولة في الكشف عن المجرمين الجواسيس. وذكاء الشعب اليمني مذهل في اكتشاف الجواسيس الذين باعوا ويبيعون ضمائرهم لإبليس وشركاه.
لنعترف بأن اليمن مخترق، وأن عباد الريال والدولار هم وراء المعلومات التي تباع للعدوان الإماراتي والسعودي و"الإسرائيلي". وأحسب أنهم غير خافين على مؤسساتنا الأمنية، فبدهي أن يطلب الشعب إلى أجهزة الأمن تقديمهم للقضاء العادل، لينالوا جزاءهم.
اليمن من الداخل بأمس الحاجة إلى مزيد من اليقظة والانتباه ومراعاة الموقف العام، ولن ننسى أن نشير إلى قضية واضحة وهي أن بعض هؤلاء الجواسيس فقراء، يستغل العدوان ظروفهم ليجندهم لتنفيذ مخططاته، فلا بد من مراعاة هذه الحالة. ونقول إن بعضهم لا يستبعد أن يكون من موظفي الأجهزة الأمنية في النظام القديم الذي يحن إلى العهد السابق لإنجاز مخططاتهم السوداء.
فلا بد من أن تفعل أجهزة الأمن والقضاء لكشف المجرمين ومحاكمتهم علنياً، ليكونوا عبرة لمن يريد الاعتبار.
إن هناك إهمالاً في كل أجهزة الدولة، ولا بد أن ندرس الأمور بشجاعة وروية ودون مواربة، فاليمن يمر بظروف عصيبة واستثنائية. لا بد من لقاءات عديدة مع جهات الاختصاص، مسؤولين، كباراً وصغاراً. ولا بد أن نفخر بأجهزتنا اليمنية ليقظتها وانتباهها ونباهتها، فهي تؤدي واجباتها بكفاءة ومهنية متكاملة. ولا بد أن تنتبه الدولة بالرعاية الكاملة لأبناء الأمن والقوات المسلحة المرابطين في كل الوطن، فهم يستحقون الاهتمام والتقدير وخاب الأعداء، وفل الله حدهم وأراهم منا ما يكرهون... ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.
من أيام زمان ولا أحد يأخذ العبرة، وإنما تتوالى الأحداث مجردة من أي عبرة أو عظة. وسمي القرآن بأنه كتاب حكيم ربما طلباً ليكون المسلمون آخذين بما أتاهم ربهم من سير الأمم السابقة، كيلا يقعوا في الأخطاء ذاتها.
وقد قص الله علينا بعض سيرة سيدنا سليمان، الذي تفقّد الطير فقال: ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين؟ وتوعد بذبحه لأنه لم يلتزم الحضور، وكان الهدهد تخلّف عن الطابور أو ما يسمى «التمام» للقائد العام، فهو ضمن الوظيفة العامة لا بد أن يؤدي واجبه كما يرام، أما أن يغيب بدون استئذان فإنه يستحق العقاب، فلما عاد إلى الانضباط الإداري، قبل سيدنا سليمان عذره، فقد كان بمهمة خلف الحدود.
من قصة الهدهد عبرة نفيد منها فائدة عظيمة، وهي أن خلف الوعد وعدم الانضباط ولو من موظف بسيط يشكل خطراً كبيراً على كيان الدولة ويقض أصلها وفرعها!
ومثل هدهد سليمان تأتي قصة أخرى، هي قصة «فأر مارب»، هذا الفأر اللعين الذي كان سبباً في تقويض حضارة مترامية الأطراف. وفكرتها أن هذا الفأر الذي لا يتجاوز حجمه قبضة اليد ظل ينخر في أركان سد مأرب وجوانبه ما جعل هذا السد ينفجر فيفيض فيضاناً جامحاً ليأتي على كل شيء وتكون نهاية أمة.
ولو أن أحداً انبته لهذا الخطر (الفأر) وضرب على يده لما حصل ما حصل.
إن عدم الانتباه، عدم انتباه الأفراد والجماعات، لأي خلل في هذه المؤسسة أو تلك، يعرض الأمة كلها للضياع والخطر، ومعظم النار من مستصغر الشر كما يقال، بل ربما شعر هذا الفأر اللعين بأن هؤلاء الفئران عانوا من الظلم والحرمان، ما جعلهم عازمين على انهيار هذا السد العظيم، الذي زرع الجنان عن يمين وشمال، وكان عدم الانتباه لما يعانيه الفأر أو جماعة الفئران سبب الكارثة، كارثة انهيار السد أو السدود. وكما أن سيدنا سليمان لفتنا إلى أن تفقد واجباتنا يشكل خطراً، فإن الفأر لفتنا إلى أن عدم القيام بواجب المسؤولية يشكل خطراً ماحقاً.
هدف الثورات
للثورة، أي ثورة أهداف، وسائل وغايات. ومن أهداف الثورات في العالم التغيير الإيجابي نحو تحقيق أهداف وغايات رئيسية، منها العدل والحرية والمساواة، وهي ثلاث ركائز ضرورية قامت عليها فلسفات وحضارات. ولعل أول عوامل تحقيق هذه المبادئ العظيمة هو وجود القدوة والأسوة الحسنة.
تحكي لنا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام أن أبا سفيان في رحلة تجارية إلى الشام، ذهب يلبي دعوة زعيم الإمبراطورية الرومانية «هرقل» الذي أراد أن يتحقق من نبوة سيدنا محمد فسأل أبو سفيان: ماذا تعرفون عن هذا النبي؟! فقال أبو سفيان: أمين، صادق، كريم الخلق، ما عهدنا عليه كذباً قط، وما سلك طرائق السوء أو الفحشاء.
ذهب أبو سفيان يعدد خصال سيدنا محمد، وكلما سأله هرقل عن خصلة وأجاب عليها زاد إيماناً ويقيناً بأن محمد هذا العربي الأمين رسول من عند الله ونبي من أنبيائه. لم تمنع عداوة أبي سفيان لسيدنا محمد وامتلاء صدره بالحسد والغيظ له أن كان صادقاً وهو يعدد أوصاف سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يمنع هرقل أن يعرف أن محمداً، هذا الفتى القرشي الذي انبعث من أوساط قريش وصحراء مكة، هو النبي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل مصدقاً لما معهم وأنه رسول الله وخاتم الأنبياء رحمة للعالمين.
مكث سيدنا محمد في قومه سنوات يدعوهم إلى الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى والصفات العلى، ولم يشك عاقل في قريش بأن هذه الصفات والأخلاق الكريمة التي يتصف بها محمد بن عبدالله هي صفات نبي أرسله الله لخلقه ليخرجهم من الظلمات إلى النور.
جاء النبي الكريم سيدنا محمد بدين جديد يدعو إلى توحيد الله تعالى وعبادته، فهو الخالق الرازق المحيي المميت الذي له الأمر كله وإليه المصير، هو صاحب الشرع، له الحلال والحرام، وهو الضّار والنافع والباقي بعد فناء الخلق...
بدأ النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام يضع أصول الحلال والحرام والمكروه والمباح، وينظم العلاقات العامة والخاصة، وفق هدى الله ووفق شريعته وهداه. وأول قيد من قيود العلاقات الجاهلية، التي كانت إحدى عرى العداوة وسط المجتمع العربي، هو الربا؛ فأول ما صنعه هو إسقاط ربا الجاهلية، الذي كان طرفه عمه العباس بن عبدالمطلب.
وثاني صنيع هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار. وقد كان هذا الصنيع مفتاحاً لحياة جديدة، بل مدماكاً في بنية المجتمع المسلم الجديد، يؤسس لمجتمع يقوم على واحدية الأهداف وكرامة الأسباب، فالأهداف لا تبرر تفاهة الوسائل، أي أن الغايات الكريمة لا يتوسل إليها بالوسائل الرخيصة، فالوسائل كريمة، كما الأهداف الغايات كريمة.
وفي العادة فإن أول ما يصنعه الثوار عند نجاح ثورتهم هو إعلان البيان الأول الذي عادة ما يكتبه بضعه أفراد ثائرين. والغاية من هذا البيان أن يكون منهج حياة يطمع الثوار تحقيقها. وفي هذا البيان إغراء للجماهير التي تطمع أن تقلب حياتها رأساً على عقب لتلتف حول هذه الأهداف وتدافع عنها. ولسوء حظ هذه الجماهير أو تلك أنها لا تتحقق، وإن تحقق بعضها. وسبب فشل تحقيق هذه الأهداف هو أن معظم هؤلاء الذين قاموا بهذه الثورة أو تصدروها انتهازيون، أنانيون، مصلحيون، لا همَّ لهم إلا مصالحهم الشخصية. وكم من أمثلة «فاقعة» يضربها لنا هؤلاء الثوار؛ إذ صاروا أثرياء وملّاكاً يتباهون بثرائهم الفاحش وحياتهم الجديدة المتوحشة!
لعل العصر الحديث في اليمن قد شهد أحداثاً تشكل روافد واقعة بدأت قبل أربعينيات القرن الماضي، وكانت 48 أول انفجار أيقظ اليمانين من سبات عميق ظل قروناً طوالاً!
كانت ثورة 48 ناجحة في كونها خلاصة تجارب انتكست قبلها تجارب تجاوزت سنة الثورة الناجحة، لا تخطيط ولا جمع شمل ولا أهداف محددة، فجاءت 48 واضحة المعالم، واضحة الرؤى واحدة الجموع والإعداد.
وبديهي أن تتعرض هذه الثورة لأخطار ماحقة، موجعة بالوقت ذاته، أبرز هذه الأخطار من الداخل الجواسيس أو المخبرون الموجودون في كل زمان ومكان، أجراء مصالحهم الشخصية وعباد الذوات الناقصة. ينقل هؤلاء الجواسيس لولي العهد أحمد بن يحيى حميد الدين أولاً بأول، وهم يطعمون ويشربون على موائد الثوار ويقيّلون في مقايلهم، حتى إذا ما حان الوقت قربوا لأمير المؤمنين ولي العهد قديماً وجلالة الإمام لاحقاً رؤوس الأحرار لأعواد المشانق.
ليس الأمر مستحيلاً، فقديماً قالوا شعراً: «فإن الداء أكثر ما تراه يكون من الطعام أو الشرابِ». بعبارة أخرى، فإن فشل الثورات أو الثوار إنما يكون بسبب الجواسيس الذين يضعون إحداثيات القتل والدمار.
ومن يطلع على أرشيف هذه الثورات سيتضح له أشرار وأسرار، ولن يجد المرء وهو يقرأ هذا الأرشيف أو ذاك أن بعض هؤلاء الرهبان شياطين، وأن هؤلاء الوطنيين عملاء وخائنون.
وقد اتضح أن كثيراً من إحداثيات دمار القتل وخراب اليمن إنما وضعها مسؤولون كبار تسنموا مناصب كبرى في الدولة، في القيادات المدنية والعسكرية، ومن الغريب أن قضية فلسطين يخونها فلسطينيون، وأبرز مثال هو محمود دحلان، الذي يُتهم بأنه من قتل ياسر عرفات، وأن بعض مخبري السلطة الفلسطينية هم الذين يقدمون المعلومات لـ»إسرائيل» عن المقاومين بشكل رسمي، بحسب اتفاقية «أوسلو» التي رعتها أمريكا.

أترك تعليقاً

التعليقات