فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا - 
تابعت بشغف بالغ ثلاثة برامج مرئية عبر قناتين اثنتين، قناة «مصر الأولى ق1»، وقناة «السعيدة» الأهلية. أما قناة «مصر الأولى» فكان أن قدمت برنامجاً ممتازاً تستاف من شذاه شخصية مصر الصوفية الروحانية، وهو: «مصر دولة التلاوة»، وهو عنوان قومي وطني إسلامي -إن صح التعبير- يعكس اعتزاز مصر بالهوية الإسلامية القرآنية. والبرنامج يقدمه شيخ الأزهر ومفتيها السابق الأستاذ الدكتور علي جمعة، ويتداخل موسيقياً معه أستاذ المقامات الموسيقية طه عبدالوهاب الذي يقوم بعملية نقدية للمقام الموسيقي الذي يتميز به قارئ وآخر، ووصف طبقته الصوتية.
ولقد تربع على عرش مصر للتلاوة شيوخ أعلام وهبهم الله مزامير من مزامير داود عليه السلام، مثل عبدالباسط عبدالصمد، محمود خليل الحصري، محمد رفعت، محمد الطبلاوي، محمد المنشاوي، وشيخ القراء جميعاً مصطفى إسماعيل... وكلهم «سفراء» لمصر في كثير من الدول العربية والإسلامية، خاصة في شهر رمضان الكريم. ومن شدة إعجاب الإندونيسيين بالشيخ عبدالباسط عبدالصمد، فإنهم حملوا سيارته على أعناقهم عند وصوله مدينة جاكرتا.
والشعب المصري شعب متديّن و»سمِّيع»، يحب التغني بالقرآن الكريم، وربما من أجل ذلك حاول حكام مصر من عهد الفاطميين ومحمد علي باشا مروراً بالملك فاروق وجمال عبدالناصر والسادات ومبارك حتى الآن أن يستميلوا عامة الشعب المصري باستيفاد القراء إلى قصورهم، والذي يزور مصر ويصلي في مساجدها ويسير في أسواقها والقديمة بخاصة ستشدّه ألحان السماء من خلال آيات القرآن الكريم المرتلة بأصوات القراء القدامى، كالشيخ رفعت ومصطفى إسماعيل الذي ينتقل من مقام «الصبا» إلى «البيات» و»النهاوند» فـ»الحجاز»، ويقلع كما يقلع الطيار المتمكن (TALING OFF) ويهبط (Landing) بيسر وسهولة من جوّاب إلى قرار والعكس.
إن فكرة هذا البرنامج نسخة من كتاب صدر في الثمانينيات للكاتب الصحفي الساخر المرحوم محمود السعدني، صنو الممثل صلاح السعدني. وأذكر أن «دار الشروق» المصرية هي التي نشرت هذا الكتاب!
ولقد وددت أن يطول هذا البرنامج «مصر دولة التلاوة» أكثر من نصف ساعة، لأنه يغذّي في الإنسان حاسة الموسيقى فتنقذه من أصوات الصواريخ والمدافع والكلام المنكر البذيء.
أما القناة الأخرى التي استمتعت بمشاهدتها فهي «السعيدة»، من خلال حديث العلامة عمر بن حفيظ في مواعظه وتفسيره والروحانية التي تتدفق من وجداناته الفياضة بسموات عليا من العذوبة والصفاء. كما استمتعت بالبرنامج القرآني «عشاق القرآن» الذي أسعد اليمن كلها بكثير من القراء والقراءات، بنين وبنات، تلاوة وتجويداً وحفظاً عن ظهر قلب، دليلاً على أن اليمن معدن الإيمان وخزينة القرآن الكريم. وشدني أكثر أن كثيراً من القراء فاقدو البصر، بل إن هناك أسراً بكاملها تحفظ القرآن، فالحمد لله رب العالمين، وقد وهب الله كل بلد عربي عدة موهوبين في قراءة للقرآن الكريم، ولكل موهبة مذاق خاص، ففي اليمن قرّاء مشاهير، مثل سيدنا محبوب وسيدنا القريطي، أيقونتي شهر رمضان المبارك. وهناك قارئان رأيتهما وسمعتهما معاً، هما الشيخ يحيى الحدائي الذي كان إماماً لجامع المظفر بتعز، وسيدنا علي التوعلي الذي كان يدرسنا في مسجد السيدة أروى بنت الصليحي في جبلة. وجميع من ذكرت لهم تسجيلات في إذاعتي صنعاء وتعز. 
أما في السعودية فهناك كثيرون من مجودي التلاوة، مثل المرحومين الشيخ عبدالله خياط والشيخ السّليل والشيخ محمد نور مقرئ مسجد «قبا» في المدينة المنورة. وهناك بعض القراء ختم على أذني سماعهم حين أفتوا بضرورة «عدم التفاعل مع المجوس في اليمن»، ومن على منبر مكة الحرام، وباعوا دينهم بعرض من الدنيا قليل، مثل الشيخ السياسي الوهابي السديس لا سامحه الله.
وبرنامج «السعيدة» الذي أعجبني «طائر السعيدة»، الذي كانت تقدمه المذيعة اللبقة الآنسة مي العبسي، التي وجدتها قليلة الأخطاء اللغوية، غير أنها لا تفرق بين عبارتي «الوجود» و»الوجدان»، مثل كثير من المتكلمين، فتقول مثلاً «تواجدت» بمعنى «وجدت»، فالكلمة الأولى في الوجد الذي هو انفعال في موقف نشوة فرحاً أو ترحاً، نقول استمعت قارئ قرآن فتواجدت بصوته الجميل، ووجدت في مكان كذا صديقاً عزيزاً لم أجده لبعض سنين.
وأعجبت بمايا العبسي لثباتها أمام الكاميرا بحسن شجاعة وثبات أعصاب وحسن أداء. شفاها الله ورزقها خير ما تؤمل.

أترك تعليقاً

التعليقات