فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
"الشعب يريد إسقاط النظام". كان النظام يتمثل في علي عبدالله صالح، رئيس جمهورية العلن، وعلي محسن الأحمر رئيس جمهورية السر، وجماعتهما من علماء السلطان ومشائخ المرتزقة، يمثل الأولين عبده الزنداني، ويمثل الآخرين عبدالله الأحمر وأولاده.
لقد خرجت الجماهير بطبقاتها الاجتماعية المختلفة وفئاتها المتنوعة كلها تهتف بهذه العبارة التي تسجل حركة مفصلية في تاريخ اليمن المعاصر. نظام فاسد، يحكمه قضاء ظالم، وتسير في ركابه مؤسسات فاسدة، وكأن هذا النظام يعمل في الخفاء والعلن على تدمير شعب حاول أن يفجر أكثر من ثورة في سبيل أن ينعتق من قيود يرسف فيها وأغلال تهوي به إلى ظلمات من الفراغ والعبث.
ولسوء الحظ، فإن النظام لم يسقط، وإنما ذهب إلى مرضعته الأولى والأخيرة: السعودية وأحواشها (جمع حوش) من دول الخليج العربي، فماذا يصنع علي "مسيء" الأحمر وعبده الزنداني ورشاد العليمي وحمود المخلافي وتوكل كرمان وشيخ المانجو البركاني وجوقتهم الارتزاقية في الرياض وتركيا والقاهرة؟! أليسوا هم النظام الذي أطاح به الشعب في 2011؟!
لقد ظهرت سوآتهم -وللأسف- بشكل وقح وأكثر صلفا سار في ركبهم كثير من القادة الذين أتقنوا الثقافة وكانوا أكثر من خانها، وعلى رأسهم ياسين نعمان والمخلافي وغيرهما من الذين كانوا أمل الأمة في التحرير والتغيير، فكان أن نطبق عليهم المثل القائل: "حاميها حراميها" و"الذين يقولون خلاف ما يفعلون".
لقد فضح الواقع هؤلاء المساكين من جماعة الارتزاق، وينطبق عليهم مثل ثان: "حبل الكذب قصير"، منهم من كان يرتقي المنابر ويحاضر الجماهير وقد أخفى في جيبه "بيضة"، كلاعب سيرك ليندد بعلي عبدالله صالح بأن هذه البيضة أصبح ثمنها 15 ريالاً، ويا للجور! فكيف تصبح هذه البيضة حراماً على الفقراء الذين لا يملك أحدهم إلا الرغيف وحسب؟!
وظهر بعضهم في التلفزيون يندد بخيانة النظام للأمة وإخلافه لما وعد به الرئيس حين تنصيبه في مجلس النواب ليكون أميناً على الشعب حاميا لحريته واستقلاله، ومنهم من حاول قدر الإمكان أن يبتز النظام باعتباره أسرة حاكمة.
حاول جميع هؤلاء المرتزقة التنديد بالنظام إلى درجة أن دبر له أكثر من انقلاب. غير أن "علي مسيء الأحمر" كان أكثر هؤلاء جرأة وشجاعة عندما حال دون الإطاحة بالرئيس في أكثر من مرة، وإذا به يقوم بسرقة الشعب ثورته حينما أعلن انضمامه إلى ثورة الشباب، فلقد أراد من هذا الانضمام أن يحمي الرئيس نفسه، بل يحمي نفسه من ثورة الشباب وغضبه الهادر، فآوى قتلة الخط الدائري في قلعته العسكرية (الفرقة الأولى مدرع)، وحاول أن يمتص غضب الثورة واندفاعها بما بذله للشباب من مساعدة في توزيع دجاج الأحمر على مخيمات الدائري ورئاسة الوزراء.
نعم إن النظام لم يسقط وإن كانت ثورة 21 أيلول/ سبتمبر قد حققت المثل الشعبي: "عاقبة المحنش للحنش"، وسقط رمز النظام علي صالح باعتباره رائداً من رواد العبودية حين باع القرار اليمني والشرف الوطني بحفنة ملايين من دراهم الإمارات. كما استطاع الشعب من خلال ثورة 21 أيلول/ سبتمبر أن يكسر أصنام التبعية من الذين كانوا يعدون أنفسهم أصحاب الأمر في اختراع الرؤساء وطردهم، ونعني بذلك أسرة الأحمر الذين امتلكوا ناصية الاقتصاد اليمني، وكانوا أبرز مبدديه وانهياره، إذ اقتسموا آبار النفط مع الأسرة السنحانية الحاكمة.
نحتفل في هذه الفترة بإنجازين ثوريين: الإنجاز الأول الذي انطلقت منه شرارة تغيير الواقع اليمني وأوضاعه الاجتماعية ممثلاً بالـ26 من سبتمبر 1962، وقد كانت هذه الثورة خلاصة ثورات، وكان الإنجاز الثاني ثورة هي بنت تلك الثورة، أو شقيقتها الكبرى، وهي ثورة الـ21 من أيلول/ سبتمبر بقيادة: "فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى".
إن هاتيـــن الثورتيــــن الباسلتين توازتا في خطين واصلين فالتقيا معرجين على هدف واحد، هو تحقيق أمل الأمة في سيادة القرار الوطني واستقلاله وخروجه من قوقعة التبعية، ليصبح اليمن قصرا يطل من شرفاته العدل والمساواة والتوزيع العادل للثروة، قصراً جمهورياً وطنياً يعلو على التبعية بأبوابها الخلفية وأحواشها الموحشة.
لم يترك الخونة المرتزقة للشعب صعوبة في التحليل ولا شبهة في تفسير ما حدث من تغيير في مواقفهم المضللة وعناوينهم الكاذبة، فلم يستطع هؤلاء إلا أن يظهروا على حقيقتهم باعتبارهم مرتزقة باعوا وطنهم بعرض من الدنيا قليل وثمن بخس.
لم يستطع الشعب أن يفسر موقف هؤلاء إلا على أنه ارتهان وطن بكامله لآمال الأعداء، أعراب السعودية والخليج، الذين رسموا أبرز خططهم التنموية في أول صفحة من صفحات تاريخهم الملعون هو عنوان عريض اسمه "تدمير الشعب اليمني"، وهم بذلك أبناء بررة للصهيونية العالمية التي تفرعت منها أسرة مردوخ جد بني سعود.
لا نحتفل بهاتين المناسبتين تمجيدا للثوار الذين بذلوا أرواحهم –ومازالوا حتى هذه اللحظة- رخيصة في سبيل الاستقلال والاستقرار وحسب، وإنما يرمون الكرة في ملعبنا في سبيل أن ننهض بأمتنا وفق رؤية وطنية وخطة تنموية هادفة.
والله نسأل أن يثيب الشهداء على ما بذلوا، ويقوي أصحاب العزائم على ما عزموا، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

أترك تعليقاً

التعليقات