فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
السؤال علامة النضج العقلي والتوق إلى الكمال المعرفي والتسليم بالأفكار، ولو كانت دينية بينة واضحة على السذاجة والضعف الذهني. وقد قدم القرآن الكريم جماعة المشركين لأنهم قالوا: "ما وجدنا عليه آباءنا"، مع أن القرآن حشد لهم الكثير من آيات مبثوثة في السماء والأرض تدعوهم إلى التفكير والتدبر، لكنهم رفضوا وانكبوا على عبادة العادات والتقاليد، فرد عليهم سخرية بهم: "أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون"؟!
ولأن العادة تصبح عبادة تتوارثها الأجيال، فإن عادة تلقف الأفكار كابر عن كابراً، وسلفاً عن خلف، دون إعمال العقل والفكر، من أخطر عوائق التقدم وموانع استيعاب مستجدات الحضارات.
في فترة من فترات الحياة العربية، ونقصد بذلك منتصف القرن الأول للهجرة، بدأت حركة التلاقح بين الحضارات تحتدم. وكانت مدينة البصرة ملتقى حضارات الفرس والهند واليونان والرومان. بداية اشتعال حركة هذا التلاقح أو على اقتراب من الدقة ولادة "السؤال" وزاد هذه الحركة أربعة من علماء المسلمين ومفكري الإسلام مؤسسي علم الكلام وأشهر مدارسه (الاعتزال): عمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء، وبشار بن برد، وأبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ. ولعل حركة الاعتزال قد فتحت أبواب الأسئلة على مصاريعها، غير متحرجة من طرح أي سؤال، بل ربما كانت في كثير من الأحيان تطرح الأسئلة الحرجة وكأنها تطمع ألا تبقي ولا تذر أي شك أو ريب لشاك أو مرتاب!!
لقد كانت البصرة مجمع أديان وملاحدة وهمم عليا، ومحط وغائب وشهوات، فالمسلم جار لليهودي والنصراني والمجوسي والصابئي والدهري والسني والشيعي والصوفي والظاهري...
واليوم نحن في محنة عظيمة إذ لم نعد نجد فراغاً للسؤال، وفي الوقت نفسه معذورون إذا كان الفضول يكلف السائل ما لا يطيق!!
أجدني وحدي أعيش غربة في مناخ تعليمي أخرس، إذ يعيش الطالب -في الجامعة- أسير ضلال المحذوف والمقرر، وهو إحدى سلبيات الأستاذ المصري الشقيق، ودهمتنا ظروف صعبة ليس معها لطالب جامعي أو ثانوي غير أحد خيارين:
إما يحفظ الدرس عن ظهر قلب ليشقى على عياله في أقرب وقت.
وإما أن يرسب ثم إلى الجحيم!

أترك تعليقاً

التعليقات