فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعــزي / لا ميديا -

في مبادئ النقد الأدبي الحديث يذهب غير قليل من النقاد إلى أن النص الأدبي مغلق (عصي) على القراءة مادام لا يقرأ قراءة ثانية، فقراءة النص عسيرة، لا بد أن نبحث عن مفاتحه ليصبح مقروءاً أو على الأصح واضحاً ومفهوماً. ولعل الأمر، أمر قراءة النص، محوج إلى آلية مناسبة تتمثل في الإلمام بكثير من الثقافة العامة والثقافة الاختصاصية ليسهل انقياد النص وترويضه.
إن مشكل القراءة الثانية هو الذي يقف حجر عثرة أمام القارئ، ويتمثل بالإحالات الرمزية والكامنة في اللاشعور، والذي يعد مخزوناً مهماً للاستدعاء حين إبداع النص من ناحية الكاتب ومن ناحية القارئ على السواء. ولا عبرة في تأويل النص بشكل تعسفي يحيله إلى مجرد لسان أخرس أو أحجية حمقاء. وفي توضيح لما أقصده فإن القراءة ذات التأويل العسفي تمسخ القراءة. وأذكر مثلاً لهذا العسف حادثة أوردتها بعض كتب النوادر. فلقد أراد أمير من أمراء العصر العباسي أن يتخلص من كتيبة شعراء اصطفوا أمام دار هذا الأمير فقال حاجبه مخاطباً لهم إنه لن يدخل على الأمير إلا من يستطيع تفسير قوله تعالى: «يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه»، فقالوا هو العسل يخرج من بطون النحل، فقال لهم ليس هذا التفسير الصحيح، وبين الشعراء بشار بن برد الذي حار كبقية الشعراء في التفسير الصحيح الذي يراه الحاجب، فسأله بشار: ما هو؟ فقال الحاجب: إن المعنى الصحيح أنه العلم الذي في بطون آل البيت، وأما العسل فهو الذي يخرج من بطون آل البيت. فقال بشار للحاجب: "يسقيك الله مما خرج من بطون آل البيت". وهذا التأويل مبتسر ليس له علاقة النص.
أقول وبه التوفيق: لا يستطيع المرء تفسير مصطلح "اليمن متسع للجميع" إلا أنه يعني: الكل يخدم وطنه بشرف وحسب كفاءته وقدرته، باعتبار الوطن مسؤولية الجميع من أبنائه، لا فرق في الجنس أو النوع. أما أن يكون مصطلح "اليمن متسع للجميع" متسعاً للسرقة ونهب الثروة فلا أعرف إلا ما شرعه علي صالح للقوم، إذ كان يردد حكمة ذهبت مثلاً وهي أن "يأكل من فوق رأسه ولا من تحت قدميه"، فهبر الصالحيون من فوق رؤوسهم ومن تحت أقدامهم ومن بين أيديهم ومن بين أرجلهم وعن أيمانهم وشمائلهم. إذن المشكل هو مشكل مصطلح، فعلى أنصار الله أن يفقهوا مصطلح "القراءة" على النحو الصحيح، وخاصة أن كثيراً من اليمنيين أضحوا يقرؤون المصطلح على وجهه، فلا مجال للتعمية والغفلة.

أترك تعليقاً

التعليقات