أوهام القوة ومعالم الهزيمة
 

محمد الوهباني

محمد الوهباني / لا ميديا -
من بدايات التاريخ وجدلية القوة والأوهام هي المسيطرة على مفاصل أحداثه ومعاركه، فأيهما يصنع الآخر، هل القوة تصنع أوهامها أم أن الوهم يصنع القوة أم يتحدان في بوتقة من غرور، ويصيران هما بوابة العبور نحو الهزيمة بالوقوف في أول محطاتها وهو الغرور الذي يصيب البشر كأفراد أو جماعات؟!
الغرور الذي ذهب بفرعون إلى أن يطلب من معاونيه أن يبنوا له صرحاً لعله يبلغ أسرار السماء، هي ذاتها قوة الوهم، أو أوهام القوة التي أصابت هتلر ذات حرب عالمية فأراد أن يسيطر على العالم. وما بين هتلر وفرعون وبعدهما وقائع تاريخية وقادة وجيوش كثيرة أصيبت بالوهم فسقطت من أعالي القوة إلى حضيض الانكسار، وقعر الهزيمة فصاروا مجرد درس في صفحة تاريخ منسي عنوانه «لن نهزم اليوم من ضعف»، كعنوان منحدر على سفوح الوهم الموصل إلى هاوية السقوط.
منذ البدايات الأولى للتاريخ الإنساني تظل القوة القادرة على الانتصار هي تلك القوة التي تصنع الانتصار بتقدير جيد للخصم، وتدرك مكامن القوة والضعف لدیه، وتعمل على هذا الأساس. ألم تذهب ترسانة الأسلحة للاتحاد السوفييتي نحو التفكك؟! ليس بسبب الضعف بل الغرور الذي جعلها لا ترى سوى قدرتها العسكرية وعميت عن رؤية الاقتصاد الذي أركع تلك القوة، وفرط عقدها ذات برسترويكا، وهي نفسها الأسباب التي جعلت الولايات المتحدة تجر أسمال الخيبات والانكسار والهزيمة أمام حقول الأرز في فيتنام المفخخة بشبان وضعوا الموت في وجه القوة الأمريكية التي لم تتوقع الهزيمة من باب «لن نهزم اليوم من قلة».
لا يزال هذا المنطق سائدا منذ أزمنة غابرة، ولا يزال حضوره طاغياً في منعطفات الأحداث والمعارك. في العصر الحديث ذهبت أمريكا إلى فيتنام بوهم القوة فخرجت منكسرة ذليلة، وخرجت من كابول وعملاؤها يتساقطون من على أجنحة طائراتها المغادرة وهم أكثر انكسارا منها، لأن وهم القوة تغلغل في نفوسهم. وذهبت ابنتها المدللة: الكيان الصهيوني في 2006 بوهم سحق حزب الله، فكانت الهزيمة نتيجة واضحة لوهم القوة.
صفحات التاريخ وذاكرته مليئة بالوهم الذي يحمل في طياته الغرور القاتل وفي أعماقه سوء التقدير كعلامات أولية للهزيمة.
العدوان على اليمن كان مثالاً للوهم الذي يحمل الهزيمة في أعماقه، وهم القوة والمال جعل أحدهم يصرح بعد أسبوع فقط من العدوان وقبل أن يبدأ اليمني رده بأنه «تم القضاء على 95% من قدرات الجيش اليمني وترسانة أسلحته»، وأضاف مستهزئا: «فهل سيحاربنا اليمنيون بعد اليوم بالسيوف؟!». صاحب التصريح هو الإماراتي ضاحي خلفان، لينقشع الوهم بعد أربعين يوماً برد يمني أعاد الواهمين إلى مرارة التحسر من مغامرة لم يحسبوها جيداً.
وهم القوة حين يتلاشى تكون ردة الفعل قاسية حد الانتحار كما في حالة هتلر، والصدمة والارتجاج الدماغي كجنود الكيان الصهيوني في غزة، وأحياناً لا يكون أمامهم سوى الهروب إلى الأمام نحو ارتكاب الأخطاء، والغرق في وحل البشاعة والتنصل من قيم الإنسانية الراقية، والغرق في دماء الأطفال والنساء والخدج هروباً من فشل يزداد اتساعاً، النتن ياهو مثال واضح للوهم والهزيمة الواضحة معالمها في هروبه إلى الأمام لتتسع الأوهام وتكبر الهزيمة ويكون انتصار الدم على السيف، وانتصار الفعل المقاوم على الاستكبار المتوحش.

أترك تعليقاً

التعليقات