نحن والمربوبون لأمريكا
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
عايشنا منذ تسعينيات القرن الماضي، نحن الجيل الشاب: العديد من التيارات والحركات التي ادعت تبنيها للدين الإسلامي، كمنهجٍ للتفكير، وأساسٍ للحركة العملية، وقانونٍ للحياة، وقد كان بعض تلك الحركات من الأشياء التي سبق لآبائنا أنْ عايشوها قبلنا، وشهدوا ظهورها سواءً من حيث النشأة أو التمدد، كما كان البعض الآخر وليد فترة الحرب الباردة، ونتاجا طبيعيا للحاجة الملحة لدى الغرب، كي يقضي على الاتحاد السوفيتي، ليتمكن بعدها من فرض نفوذه، وتوسيع دائرة سيطرته على العالم، ولاسيما المناطق الغنية بالثروات المختلفة، وعلى الرغم من كثرة هذه الحركات، وتنوع أساليبها وأفكارها ومواطنها، إلا أنها كانت خاضعةً للمدرسة النجدية الوهابية في رؤيتها للكون والحياة والإنسان، وفي نظرتها التوحيدية للخالق، وفي كل ما يتعلق بالعبادات والأحكام، الأمر الذي يكشف للباحث مدى الصلة الوثيقة بين تلك الحركات وبين الوهابية من ناحية، وبينها مجتمعةً وبين المستعمر الغربي من ناحيةٍ ثانية.
وأما ما يدعوك للمزيد من البحث والتأمل هو: لماذا كانت ولاتزال تلك الحركات تلقى تعاطفاً من قبل قوى ومؤسسات وجماعات وأحزاب ونخب علمية وثقافية، ذات توجه علماني قد تتخذ من القومية أو الوطنية شعاراً لها، ومنطلقاً لعملها، في الوقت الذي تدعي أن لا علاقة لها بالحركات الدينية؟ وليت المسألة توقفت عند التعاطف الشعوري، والسكوت عن خيانات وجرائم تلك الحركات، بل لقد تعداه في كثيرٍ من الأحيان إلى الدعم والمساندة مادياً ومعنوياً، مع أن جل نشاط تلك الحركات يصب في خدمة الصهيونية والاستكبار العالمي، صحيحٌ قد تسمع لأحد المتأثرين بالعلمانية خطاباً يشنع فيه على القاعدة وداعش، ولكنه سرعان ما سيختار الوقوف إلى جانبهما، وخصوصاً عندما تظهر قوى وحركات جديدة في الساحة، تنطلق على ضوء الإسلام الأصيل، وتتبنى قيم الحق والخير، وتسعى لإزالة الظلم، وتحقيق العدالة الإنسانية، وتنادي بالحرية، وتتخذ من أمريكا وإسرائيل عدواً لها، كما تحدد موقفها من فلسطين كقضية وبوصلة، ولنأخذ على سبيل المثال: موقف صنائع أمريكا بشقيها العلماني والإسلامي من الثورة الإسلامية في إيران، وحزب الله، ويمن الأنصار، والذي من خلاله سنكتشف مدى التوافق في الآراء، واتحاد الوجهة بين هؤلاء لمحاربة كل دعوة أو حركة أو ثورة لن تأتي من تحت العباءة الأمريكية، وإنما جاءت من عمق الأصالة التاريخية والدينية والإنسانية لأمتنا، وكان وجودها ضرورة ملحة لاستعادة وجودنا، والحفاظ على كرامتنا، وحماية مقدساتنا، وتطهير أرضنا، لذلك سيستمر هجومهم علينا، وسيصفوننا بالسلاليين والكهنوت والمتطرفين، وهلم جرا من المصطلحات والكلمات التي لن تقف عند حد مادمنا نسير في درب العزة والاستقلال والتحرر.
والخلاصة: أنه لا يوجد هنالك فرق بين الأدوات الغربية، من حيث الوظيفة والدور، وإن بدا لنا اختلافها في الفكر والمنهج، إذ الكل مربوبون لأمريكا، وليس مهماً بعدها أن يختار جزء منهم الظهور بزي مصطفى كمال، ويختار الجزء الآخر الظهور بزي ابن عبدالوهاب، ولكن يبقى المهم هو المضمون الذي ستؤدي إليه النتيجة المطلوبة لذاتها، من خلال العمل لكلا الفريقين، اللذين يعملان كرأس حربة ضد كل ما هو أصيل، سواءً كان دينياً، أو إنسانيا يتحرك ضد الاستكبار.

أترك تعليقاً

التعليقات