شيءٌ من وحي الطوفان
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
مهما تعاظمت المجازر الوحشية التي يرتكبها الكيان اليهودي الصهيوني الزائل؛ فإنها لن تفت في عضد الفلسطينيين ولاسيما سكان قطاع غزة، بل ستزيدهم عزماً وإرادة وقوة وتصميما على الثبات، ومواصلة الجهاد والكفاح والنضال لاسترداد أراضيهم، وتطهير مقدساتهم، وبناء دولتهم المستقلة من البحر إلى البحر، كما أن كل ما قام به ويقوم وسيقوم به العدو الصهيوني من هذه المجازر؛ سوف يكون لها تأثير سلبي عليه، إلى الدرجة التي تجعل مسألة زواله وانمحائه من الخارطة مسألة وقت ليس إلا، إذ بإمكان مجزرة واحدة ارتكبها اليهود بدعم ومساندة أنظمة الغرب والولايات المتحدة، وعملاء ومنافقي العرب والمسلمين؛ أن تمحو الكثير من الثقافات والأفكار المغلوطة، التي استحوذت على العقل والقلب والوجدان الإنساني عموماً، والإسلامي خصوصاً لأكثر من نصف قرن، واستطاعت أن تصنع تصورات واتجاهات وقوى لا تعنيها القضية الفلسطينية في شيء على الأغلب، إلا مَن رحم الله، وحتى هؤلاء فالقضية الفلسطينية تأتي في المرتبة الثانية في سلم قضاياهم واهتماماتهم، وبعضهم لا تأتي فلسطين إلا في الهامش من حياته وفكره وثقافته وخطابه، والبعض الآخر لا يذكرها أصلاً إلا من باب المزايدات، أو دغدغة العواطف، أو باعتبار العرف والعادة التي شب وشاب عليها الخطاب السياسي والثقافي للعرب والمسلمين.
نعم، إن هذه المجازر فظيعة ومروعة، ولا يتحمل النظر إليها أو سماعها أي إنسان لايزال محتفظاً بشيء من فطرته السليمة التي فطره الله عليها، لكنها يجب أن تتحول إلى عوامل ومقومات وأدوات ومواد روحية وفكرية وإعلامية تبني الوعي الإنساني العام، وتعمل على تعزيزه وإنضاجه حتى لدى الوسط الجماهيري والسياسي في كل بقاع المحور المجاهد المقاوم، وهكذا سيصبح العالم مدركاً لحقيقة الحضارة الغربية التي قامت على أساس ازدواجية المعايير في نظرتها للإنسان، واتخذت من الشعارات الرنانة المتعلقة بالحقوق والحريات والكرامة الآدمية وسيلة للخداع والتضليل، واجتذاب الكثير من الشعوب حول العالم إليها.
إن الحضارة الغربية لم تكن يوماً ومنذ نشأتها؛ تقبل بأي حالٍ من الأحوال أن يصبح العدل والإنصاف، وتصير الكرامة والحرية حقوقاً مستحقةً لكل أبناء الإنسانية بمختلف أعراقهم وأوطانهم وقومياتهم وانتماءاتهم الفكرية والدينية، فالناس عند النظام الغربي وحضارته المزعومة ليسوا بنفس المستوى والدرجة حتى تتم النظرة إليهم ومعاملتهم على حدٍ سواء، وما كانت الشعارات الحقوقية والإنسانية التي يتغنى بها إلا القناع الذي يتوارى خلفه وجه حضارته البغيضة، وهي الحضارة المعيارية الازدواجية التي استخدمت الإنسان وحقوقه من أجل تحقيق أغراضها الاستعمارية، والحصول على المزيد من الأموال والثروات والأسواق، لتحقيق الأهداف الرأسمالية بشكل تام وشامل، لاسيما أهداف الرأسمالية الحديثة؛ رأسمالية الشركات والاقتصاد الذي يتحكم بالسوق.
وبعد هذا كله؛ تعالوا لننظر نظرة فاحصة إلى الحضارة الأمريكية الغربية، لكي نعريها ونكشفها لكل الدنيا، فيتسنى للجيل الحالي، والأجيال التي تليه معرفة هذه الحضارة على حقيقتها، والتي لم تكن سوى تاريخ أسود، مليء بالعنصرية والجريمة وسفك الدماء والسلب والنهب والاستبداد والاستعباد، إذ إن كل تنظيرات وأفكار أدباء وفلاسفة الغرب الحديث التي تصب في خدمة الفرد، وتسعى لجعله متساوياً مع بني جنسه في الحقوق والواجبات، وجميع ما رفعوه وتبنوه من شعارات ومعان قيمية وأخلاقية في هذا الجانب؛ ذهبت أدراج الرياح، ولم تجنِ البشرية منها سوى الوهم، الذي اجتذبها إلى شرك مصيدة الغرب القاتل المستكبر المحتل الناهب للثروات والمستعبد للعقول والماسخ للفطرة السليمة، وهكذا بقيت الممارسات الغربية هي هي على طول التاريخ والحاضر وستبقى في المستقبل؛ قائمة على أساس استعلائي استكباري عنصري، كترجمة فعلية لما يختزنه الوجدان الجمعي من إحساس بالتفوق العرقي، ليس للإنسان الأبيض فحسب؛ وإنما للإنسان اليهودي، الذي استطاع صياغة المذهبين البروتستانتي والكاثوليكي بما يحقق له جميع مطامحه الإفسادية والتدميرية للعالم برمته، وعليه فهي حضارةٌ خاضعة للأفكار والنزعات والتصورات والأهداف اليهودية الفاسدة المفسدة، العاملة على تطويق الإنسانية بكل عوامل ومقومات الموت والفناء، والتي حولت كل ما حققته الحضارة الغربية من تقدم علمي وصناعي إلى نقمة على الإنسانية، بدل أن يكون ذلك خيرا ونعمة، وذاك هو ديدن اليهود على مدى تاريخ البشرية، الذين ما سادوا على حضارة ما؛ إلا وساقوها إلى درك السقوط، وجلبوا لها الزوال والانمحاء والمسخ.
وأخيراً فإن فلسطين هي البوصلة فعلاً التي من خلالها سيتغير الواقع والإنسان عالمياً، وهي كذلك بما تشهده من مظاهر ومشاهد وأفعال إبادة يقوم بها اليهود اليوم وخصوصاً في غزة؛ توحي لكل أحرار ومجاهدي المحور؛ بأنهم لايزالون مقصرين مهما فعلوا، وقدموا، وبذلوا، وحققوا في معركة الطوفان، الأمر الذي سيسهم في تربيتهم تربية إيمانية، تقيهم من الغرور والاعتداد بالنفس، نتيجة الركون إلى ما لديهم من قوة ونفوذ وإمكانات أثرت وتؤثر في الميدان، بمعنى أن فلسطين هي القيمة التي نقيس من خلالها كل شيء، والهدف المنشود من كل ما نقول ونفعل.

أترك تعليقاً

التعليقات