نعم كلها
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
كلها سقائفُ يا ابن أمي، فإلى اليوم لم يخلُ زمنٌ علت فيه راية الحق، وجمع الناس فيه نداء الفطرة على كلمة: لا إله إلا الله، معلنين بذلك موت الوثنية والصنمية والعبودية لغير الله، مستبشرين بدنو مرحلة جديدة عنوانها: الحرية والعدل والمساواة والتكامل والرقي والعزة والفوز والفلاح؛ من المنقلبين على أعقابهم، والمتلبسين لبوس الحق على قلوبٍ معجونةٍ بالباطل، متشربةٍ حبَ آلاف العجول، تعمل عمل أهل الجاهلية، وتتظاهر بمظهر الإسلام والإيمان.
إنك لن تجد زمناً من الأزمان على امتداد تاريخ البشرية يخلو منهم، فهم داء الإنسانية العضال، ومشكلة الإسلام الخالدة، وكلما اعتقدنا أنهم قد ذهبوا بلا رجعة أعادوا إنتاج أنفسهم بطرق وأساليب وأفكار، وتحت أسماء وعناوين ويافطات ودعاوى لا تخطر على بال الشيطان الرجيم نفسه! ولكنهم مفضوحون عند الله وعند خلقه، يعرفهم القريب والبعيد، والعدو والصديق، وذلك بفعل عدة سمات وخصائص لا يستطيعون مجانبتها، ولا يقوون على التخفي خلف سواها مدة من الزمن، وهذه السمات والخصائص علامةٌ بارزة تنطبع بها جميع خطواتهم وأفعالهم وسلوكياتهم وتصرفاتهم وقراراتهم، لعل أبرز تلك السمات والخصائص ما يأتي:
1. جعل المناصب والهبات والتعيينات والمكاسب وعلو الدرجة حقاً مستحقاً لابن القبيلة أو المنطقة التي ينتمي إليها هؤلاء، بغض النظر عن عجزهم وفشلهم وبعدهم عن الله، ومجانبتهم لهداه، ومحاربتهم للمؤمنين، وصدهم عن سواء السبيل، الأمر الذي يتحول على إثره المشروع الرسالي إلى مجرد أفكار معيارية لا وجود لها في عالم المحسوسات والمعقولات، إذ يصبح الحديث عن الدين والتقوى والاستقامة، والاعتصام بحبل الله، وإزالة الفوارق بين الطبقات، وجعل الناس كلهم بمنزلةٍ سواء، لا فضل فيها لأحد على أحد إلا بما يقدمه من أفكار ويقوم به من أعمال معبرة عن خلوصه لله، وتماهيه وذوبانه في الحق، ومسارعته في درب الإعلاء لكلمة الله، وغيرها من العناوين المعبرة عن القيمة؛ مجرد وسيلة لمخاطبة العوام، وتباري المنابر والقنوات في معرض القدرة على سردها، دون أن يكون لوجودها على أرض الواقع أدنى أثر.
2. العمل على قطع أرزاق ومعايش كل مَن لم يدخل في طاعتهم المطلقة، والإمعان في قهره وإذلاله والتنكيل به.
3. إخماد كل الأفكار والمحاولات الرامية لاستنهاض وبناء الفرد والمجتمع في مهدها، والحرص على عدم تحول الوعي بكل مجالاته ظاهرة عامة، لأن ذلك سوف يهدم كل القواعد التي قاموا ببناء واقعهم في الهيمنة والسيطرة والقوة والنفوذ على أساسها.

أترك تعليقاً

التعليقات