نعم أبرهة!
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
سبق لنا أن أشرنا إلى مدى سمك السور الذي يفصل اليمانيين عن تاريخهم الحقيقي؛ وأن اليمانيين هؤلاء قد قبلوا بالطعم الذي قُدِمَ لهم من بلاط معاوية المنوفيزي، وباتوا يعتبرون كل ما سطره هذا البلاط هو كل ما يعبر عن وجودهم، ويشرح مكونات بنيتهم الشخصية فكرياً واجتماعياً وسياسياً ودينياً. وهكذا ظل اليمني مجبراً على تقبل ثوب ليس ثوبه، والانتماء لتاريخ ليس هو تاريخه، والتبني لكل ما كان معدا سلفاً لتشويهه، والحط من قدره وثقافته، بل والنيل من شرفه وعرضه، ومع هذا يبذل قصارى جهده للدفاع عن كل ذلك!
إن هذا التاريخ الذي قتل باحثونا أنفسهم في دراسته وبحثه، أعني (تاريخ اليمن قبل الإسلام) ليس تاريخنا، وإنما هو سردية عدونا، حليف عدو الوحدانية التاريخي، الامبراطورية المنوفيزية الرومانية، ويد بطشها مملكة أكسوم. وبالتالي فمن العار علينا التسليم به، والعمل على ترسيخه في عقول جيل النشء، حملة لواء المستقبل، والمعول عليهم في استعادة اليمن الرحماني، هويةً وتاريخاً وحضارةً، وحركةً نهضويةً تعيد ليمن الرسالة والنصرة والمدد، يمن الإيمان روحه ودمه وفكره، باعتباره (نفس الرحمن) فتعالوا لكي نعمل معاً على تخليص يمننا النقي الطاهر من دنس المنوفيزية، ودس قصر الخضراء الثالوثي. تعالوا لكي نبني ونعبد طريق العودة إلى الجذور الحقيقية ليمن الإيمان، لكي نضمن طيب المنبت، وسلامة النمو لشخصية جيل قادم، نود له أن يكون هو الجيل الشاهد والشهيد، جيلا راسخ الجذور، قادرا على الصمود بوجه المخاطر، كشجرة طيبة تؤتي أكلها كل حين، أصلها ضارب في أعماق الأرض، وفرعها باسقٌ في عنان السماء!
وهو مشروعٌ صنع أرضيته، ووضع الأساس والقواعد التي يقوم البناء عليها، نشوان دماج، في دراسته القيمة ذات الثلاثة الأجزاء، (الرحمن، اللغز الأكبر). والذي وصلنا معه إلى الشخصية التالية في مشروع بني أمية والمنوفيزية بشكل عام، الشخصية التي تمالأت على تشويهها روايات السريان، وأقلام الجاثمين على بساط مائدة معاوية. الشخصية التي تعامل معها هذا الحلف، كما تعامل مع الملك يوسف أسأر، وتم إحراقها تاريخياً.
إنه الملك أبرهة الحميري! أدري أن ها هنا ستنتفخ أوداج البعض، وتقدح عيونهم شرراً، وتنطلق من أفواههم كل كلمات الشتم والسباب والشجب والتنديد والاستنكار، وهم يرددون: أبرهة يا كفرة يا فسقة، يا أولاد ال...؟!
ولكن هونوا عليكم، نعم أبرهة. ومثلكم يا قوم ليس بمعزل عما قيل بحق مَن كان في صف الإمام علي، أو صار من متوليه وشيعته، ألم يقل عنهم: أتباع اليهودي عبدالله بن سبأ؟ ألم يرمز القوم لعمار بن ياسر في مصادرهم بـ(ابن السوداء)؟ ألا نسمع وتسمعون الدواعش يرددون: السبئيون والسبئية، اليهود؟
هؤلاء أنفسهم هم مَن جعل الملك يوسف الحميري يهوديا مجرما، ومثلما جعلوا منه يهودياً مجرماً، جعلوا من أبرهة أشرم عبداً حبشياً مجرماً، ومثلما كانت حادثة أصحاب الأخدود حاضرة لإلباسها ذي نواس من قبلهم، كانت سورة الفيل حاضرة لإلباس أبرهة، وجعل مناسبة نزولها هو أبرهة، الذي جلب الفيل على رأس جيش جرار لهدم الكعبة!
وقد مر معنا أن هدم الكعبة قام به طرفا قريش المنوفيزيان، بدعم ومساندة الروم والحبشة. ولكن لا. لقد قالوا لنا: إن أبرهة هو الفاعل، فلا بد أن نسلم بذلك.
وهكذا صار أبرهة الحميري، الذي دافع عن الكعبة، وتولى حماية خاتم النبوة، وطهر اليمن من دنس الأحباش والمنوفيزية، وأسقط حكم العمالة، هو هادم البيت الحرام، والمتربص بمولد النبي الساعي لقتله، وعليه لا بد من اكتمال المشهد، وبلوغ الانتقام من التاريخ اليمني ذروته!
وذلك بالقيام باختراع شخصية وهمية، ينسب إليها كل ما قام به أبرهة من مواقف معبرة عن الشرف والمجد، أقلها تخليص اليمنيين من عار سميفع أشوع، ودحر المحتل واستعادة الهوية والوجود اليمنيين. هذه الشخصية هي سيف بن ذي يزن، الملك الذي لم يكن له من وجود يذكر، سوى في عقل أمية حليفة الروم، وحامية حمى المنوفيزية في جزيرة العرب.

أترك تعليقاً

التعليقات