ها هنا القوة فعلاً
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
العدالة حصن الثورة الحصين، وقوة الدولة الحقيقية، وبدونها ستبقى الأبواب مفتوحةً للعدو كي يتسلل متى ما أراد إلى أوساطنا، فتارةً يشكك بنوايانا ويطعن بمصداقيتنا، وأخرى يستقطب، ويفكك، ويعزل بعض المجتمع عن بعضه الآخر، ولن تجدي حينها الخطبة المعممة على مساجد الجُمعة، ولا الكلمات المختارة بعناية في كل مناسبة أو تظاهرة أو اجتماع، مهما كانت صادقة وواقعية؛ إذ إن ما يهم الناس هو ما يرونه، لا ما يسمعونه. وقد حدّد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام المهمة الأساسية لدولة الحق، التي تحكم باسم الدين، وتستند إلى الشرعية الإلهية، وذلك بقوله: «وما أخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم ولا صغب مظلوم». بهذه لا سواها تستقيم الحياة، ويتعزز التماسك، وتسود القوة والوحدة المجتمعية. وإذا لم تكن هي المنطلق في كل حركة أو فعل لمبسوطي اليد بالقدرة والنفوذ والسلطة فلن يتحقق لنا شيء على الإطلاق، بحيث يمكن له البقاء بشكل دائم؛ لأن أي تحول لا تكون العدالة الاجتماعية أساسه وأصله وفرعه فإنه تحوُّل مؤقت، قائم على الانفعال، وحتى إن وُجد له مناصرون ومحبون، فسيبقون في نطاق دائرة صغيرة يمكن القضاء عليها، أو استمالتها لصالح مشاريع وتوجهات أخرى.
من هنا لزم التفريق بين وسائل القوة العملية، التي يحتاجها الفرد والمجتمع، والمتمثلة بالسلاح والعلم والمال، وغيرها من العوامل والمقومات التي تمثل المواد الخام لصنع القوة، وبين القوة كنتيجة طبيعية لظهور مجتمع مترابط ومتماسك قائم على السلامة في علاقاته وأفكاره واتجاهاته العملية، وما يستتبع تلك المعاني من عناصر تترك أثراً في الواقع. هذه الآثار تكون إيجابية في حين، وسلبية حيناً آخر، وذلك تبعاً لاختلاف نوع العلاقات والدوافع التي تربط المجتمع بعضه ببعض، وتحكم حركته وفكره. فكلما كانت التطلعات والآمال والهموم والأفكار واحدة لدى الجميع، ازداد المجتمع قوة، وزادت علاقته ببعضه شدة ومتانة وعمقاً، وكلما اختلفت الأهواء، وتنافرت الأفكار، وتباينت التطلعات والآمال، وتعددت الهموم والمشاكل، ضعفت قوة المجتمع، وتقطعت العلاقات والروابط بين أفراده، وبات الكل يبحث عن خلاصه الفردي، بمعزل عن المجموع.
وعليه، فلنفكر في صنع القوة التي يقتضي صنعها تضافر كل الجهود، والاستفادة من كل القدرات، وتوظيف جميع الطاقات، التي تختلف من شخص لآخر، لكن اختلافها لا يمنع من تسخيرها في سبيل الله، الذي لا يقبل النمطية والتزام اللون الواحد، الذي هو في الأصل يوحي بالموت والفناء.

أترك تعليقاً

التعليقات