القدسية للحقيقة أم للرمز؟
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
تزامناً مع استعدادات يمن الأنصار لاستقبال يوم الولاية، وعيد المسلمين الأكبر، كتب أحد الأعزاء والمخلصين لدينهم وأمتهم ووطنهم مقالاً في تلك الأثناء، ضمنه احتجاجه على مَن يقول: «إن مَن لم يقبل بولاية الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، سيقبل راغماً بولاية من نوع آخر، وهي الولاية التي ستفرض عليه من قبل اليهود والنصارى».
وقد فاجأني فعلاً احتجاجه ذاك، حتى وإن قدمه تحت مبرر الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية، والتي تتكون بنيتها المجتمعية من عدة مذاهب، بعضها لا يعترف بالغدير أصلاً، ولا يعتبر الإمام علي (عليه السلام) رمزاً أول له، وإنما له رموزه وقدواته الخاصون به، فهل ولاية أمير المؤمنين مدعاةٌ للفرقة والتنازع والشقاق والاختلاف؟ أم هي من بواعث المحبة والوئام بين الجميع، وعاملٌ أساسيٌ لبناء علاقة أخوية بين المسلمين جميعاً، بل بين جميع بني الإنسان على اختلاف مللهم وألسنتهم وأعراقهم، لأنها تدعو الجميع بدعوة الحق جل في علاه: «تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله»، فأين هي النزعة الطائفية في ولاية أمير المؤمنين؟
وما وجدناه إلا كما قال عنه الواقدي: «لقد كان عليٌ بحق هو معجزة النبي صلى الله عليه وآله وسلم»، وهي مقالة حق، إذ تجلى في شخص الإمام علي (عليه السلام)، كل معنى من معاني الكمال سواءً في ما يقوله أو في ما يفعله، كل ذلك لكونه تربية النبي صلى الله عليه وآله، والوحيد الذي اختصه بالرعاية والتعليم والبناء، حتى لكأنه نسخةٌ منه، كياناً وذاتاً وروحيةً، إلى الدرجة التي أكدها القرآن في آية المباهلة: «وأنفسنا وأنفسكم»، والتي يجمع كل مفسري الأمة ومؤرخيها وأعلامها أنها اختصت بعلي (عليه السلام)، وقد جاء حديث المنزلة شارحاً وموضحاً لما أوجزته العبارة في الآية المباركة، وهكذا لولا علي لما عرفنا رسول الله حق المعرفة، ولسلمنا بكل ما دخل في سيرة المصطفى من تشويه، وتلفيق وافتراء لأنك عندما تدرس علياً وتتتبع كل خطواته، وتقف وقفة تأمل لآفاقه الفكرية في ما تضمنته خطبه وكلماته ورسائله ستعرف ما بلغه من مستوى في العظمة والسمو الروحي والخلقي وفي الكمال الإنساني، ثم تعرف من تلقاء نفسك أن الذي رباه وأنشأه هكذا سيكون ودون أدنى شك أعظم منه.
ولعل صاحبنا المعترض على القول: إن ولاية أمير المؤمنين تمنع صاحبها من تولي اليهود والنصارى، وإن من فقدها وجدت ولايتهما إلى قلبه سبيلاً سالكاً، وطريقاً معبداً وممهداً، متناسياً أن علياً قسيم الإيمان والنفاق، بنص الحديث الشريف، والمجمع على صحته سنداً ومتناً، ثم إن المنافق بنص القرآن موالٍ لليهود والنصارى.
وفي نهاية المطاف لا بد لنا أن نتخفف من كل الرواسب التي قد تدفعنا لنكران الحقيقة وجحودها، إرضاءً لهوى النفس، أو حرصاً على حماية مذهب أو رمز من الرموز التي فيها ما يحرجنا، ويشوه تاريخنا الرسالي، ويتسبب بضياعنا في الدنيا وعذابنا وخسراننا في الآخرة، فمهما حاولنا تقديم أي فرد على علي ما خلا رسول الله صلوات الله عليه وآله، فإن ذلك لا يستقيم ومبدأ الشهادة لله، فعليٌ حقيقة عليه السلام وسواه رمز، والحقيقة أولى من الرموز مهما حاولنا إظهارهم بمظهر العظمة.

أترك تعليقاً

التعليقات