حرابٌ مشرعةٌ بوجه الثورة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
كلما بدا لنا تلاشي ظلمات الماضي الهدام لكل معاني الوجود الشامل لتمظهرات القيمة الإنسانية والكرامة الآدمية، وبدأنا نتنفس الصعداء بعد انزياحه عن صدورنا، والتي ظل جاثماً عليها مدة نصف قرن، شعرنا بشيء من روائحه السامة والكريهة تنبعث من حين لآخر في أكثر من مكان، ولدى أكثر من شخص، وليس هذا فحسب، بل لربما استطاع مَن يطيل التحديق في آفاق ثورته وحريته ومصيره، ويعيش حالة من الرقابة المستمرة على نفسه، بالقدر الذي يمكنه من قراءتها في حدود نطاقها الفردي، أو في سياق انتظامها ضمن مجتمع بكامله، ويجيد تسجيل الملاحظات على جميع تحركاتها بدقة، أن يرى الماضي القائم على التزام الوهبنة، وممارسة الدعشنة، وتبني الأخونة يطل برأسه البغيض، ويلوّح من بعيد بيديه المغموستين حتى الكتفين بدم اليمنيين الأحرار، وهو يصيح ببُحّةٍ عفاشية، ويتراقص بزي إقطاعيٍ أحمري، مهدداً بسحق كل خيوط آمال المسحوقين، التي تعاضدت مع بعضها البعض مشكلةً فجر الثورة الحلم، وممهدةً لانبلاج صبح الخلاص من كل الأغلال والقيود والأصنام، صبحٌ لبست شمسه ثوب أشعتها بعد أن نسج دم التضحية والفداء مكوناته قطعةً قطعة، وتم تطريزه بمدامع الحزن والفرح شبراً شبراً، ليُسجل بعدها كواحدٍ من نتاجات الصبر الجميل وتنطبع عليه ماركته الموجودة في أكثر من شيءٍ معبرٍ عن حياتنا وحياة كل مظهرٍ للحق والعدل والخير من حولنا.
ولذلك فكل مظلوميةٍ تحصل على فردٍ من أبناء مجتمعنا هي في الأصل حربةٌ من حراب الدفاع عن عودة ماضي الوصاية والتبعية، الذي قد يجند لحملها واحداً منا، فيندفع بكل تلقائية ليسددها في نحر الثورة والثوار..
وكل مَن تجاوز عن فساد فاسدٍ أو تساهل تجاه تاجرٍ جشع ومغالٍ ومحتكر، ولم يفعل شيئاً كي يوقفه عند حده، ويرفع عن عنق الشعب ساطوره الذي له في كل يوم مئات الآلاف من الضحايا إن لم يكونوا بالملايين، فهو الأشد خطراً والأكثر دماراً وضرراً من أقوى وأفتك أحدث أسلحة الموت والخراب في العالم، لأن رجاء العدو بالنصر بعد هزيمة معقودٌ بناصيته.
ومَن يتوانى عن القيام بإصلاح حال المنظومة الإدارية أو الرقابية أو القضائية أو الاقتصادية أو غيرها.. فهو الخائن الأعظم جرما من جميع الخونة، حتى الذين قتلوا ونهبوا وانتهكوا الحرمات، ومثله بذات الدرجة من السوء والقبح مَن يصدر قرارا بتعيين عاجز باعتبار العلاقة الشخصية أو بدافع القرابة مع وجود الأكفأ والأجدر والأحق بذلك المنصب من قريبه أو صديقه الذي اختاره بفعل الأنانية التي ستخلف شراً على كل الناس.
إن مَن يشكل بنفوذه ومنصبه حمايةً للإقطاع، وسنداً للمشيخات القبلية التي لم تتقن شيئاً كما تتقن اللعب على التناقضات، ولم تعرف سوى مهنة العمالة والانحياز للغالب حقاً وباطلاً، ولاتزال تمارس هواياتها المفضلة في التستر على القتلة والمجرمين، وترى نفسها فوق القانون وفوق الجميع هو عفاشي وإن تظاهر بزي الثورة الشعبية، وجملوكي، وإن تحدث بلسان اليمن وادعى التمسك بالهوية الإيمانية.

أترك تعليقاً

التعليقات