في المسكوت عنه
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
كثيرون هم المثقفون وصناع الرأي في مجتمعنا الذين يفضلون السعي لإرضاء الجماهير وكسب مودتهم حتى وإن استدعى الأمر أن يضحوا ببعض الحقائق بحجة أن المجتمع أو معظم أبنائه ليسوا مهيئين لقبول مثل هكذا حقائق، وعليه يقول هؤلاء: "علينا مسايرة الوضع العام ومداراة الناس حتى وإن أدى ذلك إلى أن نضحي بالحقيقة أو بجزء منها في سبيل الحفاظ على المصلحة العامة واستقطاب الناس إلى ما ندعو إليه، وطالما غايتنا هي جمع الكلمة وتوحيد الصف فلا مانع من وأد كل ما هو حق كوسيلة لنيل الغاية التي نسعى إليها والهدف الذي نروم تحقيقه". 
وهذا التوجه سلبي وضار ونتائجه كارثية ومدمرة، إذ إن الصف الذي نسعى لتوحيده، والمجتمع الذي نعمل على جمع كلمته، لا بد له من أن يقوم على أسس ثابتة في الفكرة والنظرة والموقف والخطوة، فأنت أيها المثقف ليست مهمتك مهمةَ صيدلي يحاول منح من يقصدونه من المرضى مجموعة من مسكنات الألم التي تجعل جسد المريض يطمئن إلى كذبةِ تعافيه مما ألم به نتيجة تعاطي صاحبه بعض المسكنات التي وإن أحس المريض بزوال الوجع حيالها، فإن ذلك لا يعني مفارقة المرض لجسده، وإنما هو زيادة تمكين للمرض كي يفتك به ويقضي على حياته بهدوء ودون أن يشعر بشيء، هذا من ناحية.
أما من ناحية أخرى، وباعتبار ما ندين به من دين ونحمله من فكر ونمارس ذلك كتوجه، فإن ذلك أخطر بكثير من قضية مرض قد تكون عاقبته الموت في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى قد يخلف في جسد الشخص الذي تمكن منه عاهة مستديمة ترافقه بقية حياته، أما في وضعيتنا فالعاقبة وخيمة، لأن تبعات التقصير في حمل الحق والعمل به وتبيينه للناس عاقبتها الخسران في الدنيا والآخرة، ونحن نعرف أن من يكتمون الحق ويلبسون الحق بالباطل هم اليهود الذين لعنهم الله وأخزاهم وضرب عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله سبحانه.
ونحن كمسلمين نلتزم بثقافة الإسلام المحمدي الأصيل، علينا امتلاك الجرأة في قول الحق، كما أن علينا قبل ذلك تعزيز قناعتنا بما نحمل، وعلينا الصدور في ذلك كله عن وعي ويقين نجسدهما في الإيمان العملي المعزز دوماً بالاستقامة التي تجعلنا لا نقيس الحق بكثرة الناس الذين يتبعونه أو قلتهم، وإنما نبني معرفتنا للملتزمين بالحق على أساس معرفتنا للحق ذاته كما قال أمير البيان الإمام علي (عليه السلام): "إن الحق لا يعرف بكثرة الرجال، فاعرف الحق لتعرف أهله".
وختاماً، يجب أن نعرف أن مواراة أي حقيقة لكسب ود الجمهور وزيادة المحبين والمناصرين، تصبح انحرافاً عن العبادة لله، وتجعل المثقف عبداً للجمهور، فحق تمام العبودية لله تقديم الحق الذي أحقه سبحانه على عباده دون نقص مهما كانت التحديات.

أترك تعليقاً

التعليقات