في طريق البناء للأمة الشاهدة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لا يكفي في جانب الاستعداد لإحياء ذكرى مولد خير البرية صلى الله عليه وآله وسلم، العمل على تهيئة الأجواء المنطبعة بطابع الفرحة والسعادة، من خلال الحرص على تحويل المدن والقرى وسائر الأماكن الأخرى إلى صورة ناطقة بكل اللغات التي تخاطب العيون بكل أبجديات الجمال الفني، التي تختط معانيها عبر أكثر من مظهر من المظاهر المكسوة بالحلل الخضراء، وتبرز بما نالته من اهتمام بتزيينها عمق الإحساس بعظمة المناسبة، ومستوى التفاعل الروحي مع لحظة القدوم ليوم تحقق مجيء البشارة الإلهية، إذ لا بد أن يترافق مع تهيئة الأرض لاستقبال هذا الحدث العظيم بعظمة صاحبه: العمل على تهيئة القلوب والعقول، لكي تصبح أراضي صالحةً لاستقبال كل بذور وغراس هذه المناسبة، وذلك بالحرص على امتلاك كل المقومات الباعثة على النماء والخصب، إلى الحد الذي تصل فيه تلك البذور والغراس مرحلة الإثمار بشتى الأصناف التي تمنح الواقع كله جميع ما يحتاجه، من أجل بناء الفرد والمجتمع، في طريق بناء الأمة الشاهدة، والتي مثلت ولادة الرسول الكريم صلوات الله عليه وآله المرحلة الأساس لولادتها، كما مثلت رسالته التي جاء بها من الله سبحانه، النظام الذي تبني وفقه مسيرة حياتها، والمنهج الذي تحدد بموجبه أهدافها ووجهتها، والمبدأ الذي على ضوئه تتعرف على الغاية من وجودها، وحجم المسؤولية الملقاة على عاتقها، وطبيعة الدور الذي يناط بها القيام به، تبعاً لما تقتضيه علاقتها وصلتها بالله وبالرسول وبالرسالة، عندئذٍ سينطلق جميع المحتفين بالذكرى للبحث عن سبل الاقتراب من رسول الله عليه وعلى آله الصلاة والسلام، كونه الحقيقة التي لا تموت بموت الزمن الذي وُجِدَتْ فيه، وإنما تزداد حضوراً وفاعلية وتجددا في كل زمن، ولدى كل جيل، باعتبار ما توحي به سمة الخلود للرسول الحاضر من خلال حركة الرسالة المستمرة التي نهض بها، وجاهد في سبيل تركيز قواعدها في النفوس وفي واقع الحياة، وكان الفرد الأمة، بما اختصه الله من رعاية وإعداد وتربية، من ذو الولادة حتى البعثة، التي مثلت لحظة إنطلاقته للقيام بمهامها مرحلة الإعلان عن وجود الأمة المحمدية التي حظيت بأعلى مراتب الفضل والشرف والتكريم من الله، حينما اختصها بخاتم أنبيائه، وأكرم خلقه عليه، وأقربهم إليه، وأكملهم عنده، وجعلهم خير الأمم، هذه الخيرية ليست نتيجة الانتماء لعرق أو لغة أو منطقة جغرافية، وإنما نظراً لما يجب القيام به من مهام وأدوار قضت بها الرسالة، وجسدتها في الواقع العملي حركة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى كل مَن يقر بالاعتراف: أن محمداً رسول الله، ويعتبر نفسه جزءاً من أمته تأكيد ذلك عملياً، من خلال الالتزام بمجموعة من السمات والخصائص، التي تأتي في مقدمتها:
1. إشاعة الخير بكل معانيه فكراً وسلوكاً ودعوةً والتزاماً، مع العمل على تعزيز وجود المعروف القائم على أساس الحق والعدل المنضبط بضابط الشريعة، والشارح لمقتضى الإيمان، بحيث تصبح الخطوات متركزةً على إزالة كل معالم المنكر، بكل تمظهراته السلبية، من فساد وبغي وظلم واستبداد، عبرت جميعها عن ثقافة الباطل ورموزه، واللذين لا سبيل للقضاء عليهما إلا عن طريق تشكل الأمة الواحدة، التي تجتمع تحت راية الولاء لله ورسوله والمؤمنين، وتعيش علاقة القرب من بعضها البعض على أساسٍ من الأخوة الإيمانية، التي تستوجب على كل فرد مرتبطٍ مع غيره من الأفراد بروابطها التفاعل الإيجابي، بناءً على ما تمتلئ به القلوب من مشاعر المحبة والألفة، الدافعة أبداً نحو الرعاية الدائمة، والنصرة في كل الظروف، كما يشترك في هذه المهمة الرجال والنساء، حيث إن لكلٍ دوره الذي تمليه عليه المسؤولية، والتي ليست سوى انعكاس لمدى تمثل الوعي بالرسول والرسالة، وتعبير حي عن الإحساس العرفاني بهما كنعمة امتن الله بها عليهم جميعاً.

2 - التطلع الدائم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، باعتباره القدوة التي يجب التأسي بها، والقيمة المعبرة عن كمال الشخصية الإنسانية والإيمانية التي لا بد من اقتفاء أثرها من خلال البحث والدراسة لكل مراحل حياته، بهدف التخلق بأخلاقه، والاقتباس من نوره الأخاذ والشامل، وجعل ذلك كله منهجاً معتمداً في جميع المجالات التربوية والعملية والعلمية والثقافية والسياسية والعسكرية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية، الأمر الذي سيجعل العاملين في سبيل الله، على درجةٍ عاليةٍ من الوعي والإدراك لأهمية البقاء مع الناس مهما علت مكانتهم، واختلفت مواقعهم، وتنوعت أدوارهم، إذ إن همهم في كل ما يقولون ويفعلون هو: كيفية الوصول إلى المرحلة التي تؤهلهم لكي يكونوا الرساليين بكل ما تعنيه الكلمة، والذي لن يبلغوه إلا عندما يبلغ مستوى تأثرهم برسول الله الحد الذي يصبحون فيه منسجمين مع رسالته، ومبادرين للاتصاف بصفاته كلها، بدءًا من اتحادهم النفسي بمجتمعهم، وجعل كل ما يعانيه ذلك المجتمع نصب أعينهم، والمحور الذي تقوم عليه حركتهم، بحيث تصبح كل أعمالهم منصبة على التخفيف من تلك المعاناة والآلام، التي يعز عليهم ما يلاقيه مجتمعهم إزاءها من مشقةٍ وعذاب، وصولاً إلى النقطة التي تريك مدى ما بلغوه من الاهتمام بالناس والحرص على إيجاد كل ما بوسعهم، بغرض التحقيق لراحتهم وسعادتهم كعنوان عام تقوم عليه الدوافع التي توجه حركتهم العملية، وتمنحهم الحضور الفعال في كل الساحات، ومختلف القضايا الصغيرة والكبيرة، لأن نظرتهم إلى الناس هي نظرة محبةٍ قوامها الرأفةُ بهم، والرحمةُ لهم، والإحسان إليهم، ولا قيمة لأي مقام أو منصب بالنسبة لهم، ما لم يكن عاملاً على تركيز الوجود الكلي للرسالة في المجتمع، وجعلها هي العنوان لحركته، والأصل الباعث على تحقيق كل العوامل الموجدة لقوته وعزته وتقدمه وحريته واستقلاله، وتعزيز شعوره بضرورة توحده من أجل النهوض بمهمته في الحياة، كي يتسنى له التوصل لأهدافه على مستوى الوجود الدنيوي، أو المصير الأبدي في الآخرة.

أترك تعليقاً

التعليقات