الخطوة المطلوب البدء بها
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لقد هيأ الله سبحانه وتعالى، لنا في هذه المرحلة الزمنية كل العوامل التي نستطيع من خلالها أن نعود لنستظل بظلال الدين القيم، ليتحقق لنا الرشد في عقولنا، وتنطبع سائر أقوالنا وأفعالنا ومواقفنا بطابع الحكمة والنباهة والوعي، فنعيش في رحاب الله روح التقوى، ونتحرك في كل الميادين من واقع الحرص على الاستقامة على السير في طريق الله القويم، فلا يعترينا ضعف، ولا يطرأ علينا جمود أو تثاقل، ولا يشوبنا انحراف، ولا تسيطر علينا نزعة الكبر، أو آفة الغرور، أو رغبة الجنوح لاتباع هوى النفس، أو غريزة الطمع، لنحول بعدها وجهتنا من السير في خط الرسالة إلى التوقف على الدوران حول الذات، فيصبح كل شيء معقوداً بها، ومنصباً على تأليهها، وقائماً على تسخير جميع المواهب والطاقات والإمكانات لخدمتها، وإنما تبقى الخطوات مهما طال أمد سيرها في دروب التقدم والإنجاز، وتبقى الأفكار مهما انفتحت أمامها الآفاق المعبرة عن سعة وامتداد النور المتدفق من وهج صبح النصر والتمكين على حذرٍ دائم من نزوعٍ للكفر بعد الإيمان، أو ركونٍ لضلالٍ بعد هدى، أو استسلامٍ لاسترخاء هنا، ولذة نومٍ عميق هناك، مطبقين جفوننا على ما سبق أن حققناه، دون أن نستشعر ما الذي يعنيه إغماضها في الوقت الذي يجب أن تبقى محدقةً باتجاه ما يجب أن نحققه غداً، إذ إن الرحلة لم تنته بعد، والعبرة ليست بعظمة البدايات، وإنما بخواتيمها، وقدرة العاملين على جعل كل أعمالهم مهما تباعدت الأزمان بهم عن نقطة البداية مخلصةً لها، وحاملةً لروحيتها، وقائمةً على صورتها، إذ لا فواصل بين ضفة المنبع وآخر نقطة بلغها انصباب نهر المسيرة القرآنية، لأن العنوان الجامع هو: نداء الله «واعتصموا بحبل الله»، الذي يقتضي استجابةً من كل فرد لتشكيل الجمع، وذوباناً في المجموع لأجل الغاية، فلا مكان لفرقةٍ تحت تأثير تعدد الآراء واختلاف المذاهب وتنوع الاجتهادات، لأن الثقافة واحدة، والقيادة واحدة، والوجهة واحدة، والهدف واحد، ولا يعني ذلك بأي حال من الأحوال وجود حواجز تحول دون الإثراء للساحة بكل ما يعزز النمو والتقدم علماً وأدباً وفناً، وصناعة واقتصاداً وإدارةً وغيرها، وإنما يعني توظيف كل تلك المواهب والقدرات، والأفكار والخبرات المتنوعة في سياق واحد، وضمن الثقافة والمشروع الجامع، وهو حبل الله، فلا يظل هنالك إقصاء أو تهميش، ولا تمايز طبقي، أو شعور بالغبن والدونية لدى المجتمع، فالكل لله، والجميع عباده، ولكلٍ دور وفق ما لديه من قدرات واستعدادات بناءً على تكليف الله له.
وعليه فإن كل الذكريات التي نعيشها في واقعنا اليوم ولاسيما ذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وآله، لا تخرج عن كونها محطات لتذكيرنا بحجم الأمانة الملقاة على عاتقنا، فإذا ما أدركنا ذلك سعينا بكل ما نملك لإعادة الاعتبار للإسلام كله، والشريعة كلها، من خلال العمل في عدة مسارات، سواءً في ما يتعلق بالبناء التربوي والفكري والأخلاقي للمجتمع، أو في ما يتعلق بالنظم السياسية والقانونية وكل ما يدخل ضمن الأسس المطلوبة لبناء دولة، فرسول الله صلواته عليه وآله، لم يكن مجرد مرشد أو داعية أو إمام مسجد، وإنما كان إماماً للحياة كلها، وهادياً للناس كلهم، ورحمة للعالمين، فهل نعي ذلك؟ حتى نحرص على معرفة ما يجب تمثله من أخلاق وشخصية رسول الله كلٌ بحسب موقعه ودوره ونوع المسؤولية التي كُلف بها.
أدري أن ما نتطلع إليه بهذا الخصوص لايزال بعيد المنال، ولكن قطع مسافة آلاف الأميال تبدأ بخطوة، وإن الخطوة المطالبين اليوم بها هي: ألا تبقى علاقتنا برسول الله موسمية فقط، وإنما نجعل موسم ولادته صلوات الله عليه وآله، نقطة تحول في حياتنا كلها، وانفتاحاً على الزمن كله، والإنسان كله.

أترك تعليقاً

التعليقات