القوة الاجتماعية.. مقاربة أولية
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
كل إنسان له حياتان في هذا الوجود؛ فهو كائن مستقل له حاجاته ونزواته وتطلعاته وأفكاره الذاتية، التي تؤكد خصوصيته كفرد، وهذه هي الحياة الفردية، وهو أيضاً جزء من كل، في إطار ما تقرره الحياة من صلات وروابط مشتركة بينه وبين الآخرين، بدايةً من علاقته وموقعه من الأسرة ذات البيت الواحد، مروراً بالقبيلة فالشعب فالإقليم فالأمة، وصولاً إلى علاقاته وموقعه ودوره في إطار العالم البشري كله، وهذه هي الحياة الاجتماعية. ولكي يحافظ الإنسان على وجوده لا بد له من السعي لإيجاد نوع من القوة في سبيل ذلك الغرض، فهو يحتاج كفرد لما يعبِّر به عن نفسه، ويقيها من اعتداء وظلم الآخرين، كما يحتاج كمجتمع للقوة التي تحفظ نظامه، وتدعم حركته في درب العمل على تحقيق نموه، وفرض سيادته واستقلاله، وردع كل القوى الساعية لبسط هيمنتها ونفوذها وسيطرتها عليه بمختلف الأساليب والطرق.
وقد أولى الإسلام جانب القوة الاجتماعية اهتماماً كبيراً، وذاك ما يتبين من خلال ما جاء في القرآن الكريم، والهدي النبوي الشريف، فسنجد أن الإسلام لم يقف عند مناقشة وإبراز القوة الاجتماعية من حيث المفاهيم والدلالات فحسب، بل حرص على بيان صورها وعواملها، وأرشد إلى الطرق المؤدية إليها، والكيفيات التي تعزز وجودها، ولم يقدم كل ذلك كأفكار تجريدية، وإنما قدمه لنا من واقع الحركة والتجربة لمجتمع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أو مجتمعات النبوة السابقة للنبوة الخاتمة، وذلك لكي يهدينا إلى ما يجب علينا فعله أو الأخذ به في حركتنا الحاضرة، وما يعتريها من تجاذبات وصراعات وتحديات، ليستقر في قرارات نفوسنا أنّا لم نكن وحدنا في ذلك، فقد سبقتنا أمم تركت لنا ما يغني التجربة، ويبني الفكر، ويقوي الإرادة، ويجنبنا الوقوع في بؤر الأخطاء والانحرافات.
ويمكن اعتبار كل الطاقات والإمكانات التي يملكها مجتمعٌ ما، في نطاقه الموحد، وما ينتج عن تلك الوحدة من توجهات عملية تشمل جوانب الحياة كلها، وذلك بهدف تعزيز الروابط المشتركة بين سائر مكوناته وأفراده، الذين ينطلقون من خلال الفكر المشترك والشعور الواحد، في اتجاه تحقيق الهدف المحدد والمشترك لديهم جميعاً: تعريفاً لمفهوم القوة الاجتماعية، بشكل تقريبي بسيط.
من هنا لزم التفريق بين وسائل القوة العملية، التي يحتاجها الفرد والمجتمع، والمتمثلة بالسلاح والعلم والمال وغيرها من العوامل والمقومات التي تمثل المواد الخام لصنع القوة، وبين القوة كنتيجة طبيعية لظهور مجتمع مترابط ومتماسك قائم على السلامة في علاقاته وأفكاره واتجاهاته العملية، وما يستتبع تلك المعاني من عناصر تترك أثراً في الواقع. هذه الآثار تكون إيجابية في حين، وسلبية حيناً آخر، وذلك تبعاً لاختلاف نوع العلاقات والدوافع التي تربط المجتمع بعضه ببعض، وتحكم حركته وفكره. فكلما كانت التطلعات والآمال والهموم والأفكار واحدة لدى الجميع، ازداد المجتمع قوة، وزادت علاقته ببعضه شدة ومتانة وعمقاً، وكلما اختلفت الأهواء، وتنافرت الأفكار، وتباينت التطلعات والآمال، وتعددت الهموم والمشاكل، ضعفت قوة المجتمع، وتقطعت العلاقات والروابط بين أفراده، وبات الكل يبحث عن خلاصه الفردي، بمعزل عن المجموع.
لهذا، على المهتمين بالحقول الاجتماعية والقائمين على شؤون الثقافة والمشتغلين بالإعلام، التوجه لمحاربة النزعة الفردية، وتدعيم كل النوازع الاجتماعية، التي تخفف شعور الفرد بفرديته، وتضخ فيه كل الأسس التي تشده إلى مجتمعه، لينطلق مع الآخرين بإحساس جديد، كله قوة وحيوية.

أترك تعليقاً

التعليقات