نفحةٌ من زمن الغربة والاستضعاف
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لم تمر علي لحظة من لحظات حياتي إلا وهي تزيد من اشتياقي للمجاهد الصابر، والمثقف الواعي، والعالم المتواضع، المرحوم قيس أحمد الدرواني، الذي استطاع بمفرده وبمساندة القليل من الذين من حوله فعل الكثير، فمنذ اشتعال الحرب الرابعة وحتى انطلاق الثورة الشبابية 2011م ومركز قرية «الدريعاء» في منطقة كتاب مديرية يريم لم يتوقف ولا في أي صيف على مدى كل تلك الأعوام، وكان المصاب بمرض القلب، والرجل الأعمى يقفان بوجه كل المخاوف والتحديات دونما ضعف أو انهزامية، على الرغم من انعدام المادة وقلة الناصر والمعين، استطعنا تدريس 300 طالب وطالبة، على فترتين في اليوم الواحد، وكانت الملازم حاضرة بالمستوى الذي أوجد الكثير من الحسينيين والزينبيات في ذلك المركز.
لقد استطاع المرحوم المجاهد قيس الدرواني أن يوجد في نفوسنا القوة التي مكنتنا من الوقوف بوجه كل مراكز قوى النفوذ، في ذلك الزمن، الذي كان مجرد التفكير بالانتماء للمسيرة يعني فتح باب من المواجهة مع الأسرة والقبيلة والعقال والمشائخ والمنطقة العسكرية وجميع مكونات الأجهزة الأمنية، إلى جانب الخونج والوهابية، ومع هذا استمررنا ونحن قلة في نشاطنا وتدريسنا وخطبنا وصرخاتنا، وهكذا كنا نسير ولا يكاد يمر يوم ولم نلق فيه تهديدا فعليا بالقتل أو السجن، هذا بمعزل عن الاعتداء باليد إلى درجة محاولتهم عدة مرات رشنا بالأسيد، ولكن كان الله معنا، ولقد كنا نخيّر في كثير من الأحيان من قبل أهالينا نتيجة ما يمارس عليهم من ضغوط من قبل النظام الحاكم بمغادرة منازلنا إلى غير رجعة أو التخلي عن انتمائنا ومبادئنا وفكرنا ورسالتنا في هذه الحياة، فهل بعد هذه المرارة مرارة؟
كم أنا حزين على فراقك يا معلمي، وكم لدي من القضايا التي أود تدارسها معك، ليتني رحلت معك، في تلك الفترة، ولم أبق وحدي هنا شاهداً على كوارث -لا حصر لها- أغرقت الواقع كله، نتيجة ركوب المنافقين للموجة، واستحكام قبضة المؤلفة قلوبهم على كل شيء، حتى الكلمة لم تسلم من شرهم.

أترك تعليقاً

التعليقات