ورد ومورد «الحلقة الرابعة»
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لا نزال في ظلال دعاء استقبال شهر رمضان للإمام زين العابدين عليه السلام، إذ يقول: "وأن نتقرب إليك بالأعمال الزاكية بما تطهرنا فيه من الذنوب، وتعصمنا فيه من استئناف العيوب، حتى لا يورد عليك أحد من ملائكتك إلا دون ما نرد من أبواب طاعتك، وأنواع القربة إليك...".
في هذه الومضة المباركة المنتظمة في عقد دعاء سيد الساجدين كجوهرة بجانب أخواتها من الجواهر والدرر المكنونة نجد الإيحاء بالفكرة العامة التي يقدمها أحد أساتذة مدرسة الإسلام المحمدي الأصيل، أنه لا بد للشخصية الإسلامية أن تبني نفسها بطهارة الروح، وسلامة وسمو النفس، من خلال تمثل الأخلاق الحميدة، والقيم العالية المجيدة التي يستوجبها الانتماء لهذا الدين وينميها ويقويها الإيمان الحقيقي الذي يدلل على صدق توجه صاحبه بما يقدمه من أعمال تكون بما تتركه من آثار طيبة وثمار مفيدة شاهدة على صدق توجه صاحبها، وعليه فلا بد للمسلم من أن يدخل في برنامج عملي يختار فيه الأعمال الزاكية التي تفتح قلبه وعينه على الحقيقة التي تقول: كل عمل فيه رضى لله هو عمل يجب عليَّ القيام به، ولا يعنيني قول الفقيه الفلاني بأنه ليس من الواجبات أو من المستحبات أو من المندوبات، فليس الفقه وقواعده غايتي، لأن غايتي هي رضى الله عني وأي عمل يساعدني في بلوغ مرادي فهو الواجب بالنسبة لي، رغم أنف أصول الفقه وعلم الكلام.
كما أن الأعمال الزاكية بما تخلقه من سعة في النظرة، وشمولية في الحركة والكمال في كل شيء، تكون بذلك هي السبيل لتحقيق مقام القرب من الله. كما أن لها في واقع الحياة دوراً كبيراً وذلك بما تتركه من آثار إيجابية على شخصية المسلم، إذ بات يتمتع بالحالة المعنوية العالية بما تنتجه طهارة الروح من قوة عاصمة تحرره من ضغط الذنوب، وتقيه من الوقوع في العيوب التي تعيقه عن السير في الطريق السليم الذي يصل به إلى الله تعالى.
ويمكننا استخلاص ما قررته الفقرة المباركة من الدعاء الذي بين أيدينا أن قضية تصحيح السلوك المنحرف لا تكفي فيها التوبة الفكرية والشعورية، بل لا بد من توبة عملية تصدم الواقع بما يغسل النفس من أدران الذنوب ويمهد دروب التائبين من كل مزالق العودة لما يعيبهم، وبالتالي يصبحون هم بثباتهم وخطواتهم المتقدمة الواثقة انعكاساً كاملاً لقوة الاستقامة التي تقف أمام ضغط الانحراف، فهم المسارعون في الخيرات، المبادرون في تقديم القربات، المقيمون للعبادات، المجبولون على الطاعات، وهم الذين لم يخالطهم زهو ولم يعترهم كبر فيما عملوا ويعملون، بل يستحضرون رقابة الله عليهم، فيمدون يد الضراعة والرجاء إليه بالهداية والثبات، ويستعينون به في سعيهم لبلوغ الكمال في إيمانهم وأعمالهم ويقينهم ونياتهم، وهذه هي الغاية من كل ما يقدمون، أن يصلوا في أعمالهم إلى أبواب القرب من الله وأنواع الطاعة له بمستوى أعلى حتى من مستوى ما يقدمه الملائكة المكرمون من أعمال في طاعة الله لنيل مواقع رضاه.

أترك تعليقاً

التعليقات