مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
تبقى الثورة الإيرانية حية حاضرة في كل ميادين الحياة لدى شعبها وجماهيرها، مهما تقادم بها الزمن، وذلك بفعل وجود عقول واعية ومخلصة ظلت في تتبعٍ دائم للحركة الثورية، مستنطقين لكل خطواتها، ومدققين في كل مناحي واتجاهات العاملين، سواءً من حيث طبيعة الدافع للحركة، أم من حيث الأسلوب المتبع أثناء القيام بأي عمل، أو التنفيذ لأي مهمة، كل ذلك من واقع الشعور بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم، والتي تقضي بضرورة البقاء في الساحة الثورية، بحس واندفاع واعٍ وفكرٍ ناقدٍ ومبدعٍ وخلاق، وروحيةٍ حاضرة، وإرادةٍ قوية، لا يقبلون بأنصاف الحلول، ولا يسكنون إلى الزهو والخيلاء، فيقنعون بما قد تم تحقيقه، ليروحوا بعدها في نومٍ عميق، مستسلمين لدغدغة الأماني، ومستريحين إلى الأحلام والخيالات، فلا مكان لديهم للتحرك كيفما اتفق، ولا مجال لترك ممارسة النقد، الذي به يتم محاكمة الكلمات والمواقف والأعمال بناءً على مدى التزام العاملين بالأسس المنهجية التي تلتزمها الثورة، في سائر أحوالها، لذلك يستحيل أن تجد مَن يبرر للعاجز عجزه، أو مَن يبذل قصارى جهده لتسويغ وجود خلل ما، أو محاولة التخريج والفلسفة للأخطاء أياً كان حجمها من حيث كبرها أو صغرها، وأياً كان مستوى مرتكبها من حيث المقام الاجتماعي، أو الموقع القيادي، لأن الهدف الذي سعى إليه رموز ومفكرو هذه الثورة هو: الإيجاد للرؤية العملية المعبرة عن المجال النظري، بحيث تتحقق للثوار مسألة القدوة الشاملة على مستوى النظرية والتطبيق، هذا أولاً.
وثانياً، لأنهم وجدوا أن مهمة الثورة ليست متوقفةً على إزالة نظام واستبداله بنظام آخر وحسب، وإنما لا بد من أن يكون البديل الذي تقدمه الثورة منسجماً ومقتضى العبودية لله، إذ تقرر الثورة الإسلامية ومن وحي ثقافة القرآن الكريم: أنه لا يستطيع تشييد الطبيعة وبناء الحياة إلا الذين يتحركون كعبيد لله سبحانه، لأنهم هم الذين لن يسقطوا تحت تأثير ملذاتها وزخرفها، وتلك أولى الخطوات لإيجاد المجتمع المثالي، الذي يعتمد في الوصول إلى مقام الكمال على العقل العملي المستوحى من تعاليم الوحي وحركة النبوة، متجاوزاً بذلك النزعة المادية، ومتمسكاً بمعنا إنسانيته، الذي لا سبيل للحفاظ عليه إلا بالاستجابة لنداء الفطرة، والعمل المتواصل على تزكية النفس.
وفوق هذا كله تعزز الثورة في وعي جمهورها الجمعي أن قضية صنع المجتمع الذي يريده الوحي ويسعى له الأنبياء والرسل ليست فقط في إزالة الظلم وإقامة العدل، وإنما هي في التخطيط لتحقق العدالة القائمة على أساس الوعي، الذي هو نتاج المعرفة العلمية، المنطلقة باسم الرب سبحانه، وذاك ما تقرره أول آية من سورة العلق: «اقرأ باسم ربك الذي خلق»، لأنها المعرفة التي ستجعل الحركة العلمية مضبوطة بضابط الإيمان الموصل إلى التقوى، التي لن تكون خوفاً ساذجاً مقامه الجهل، وإنما التزام بالمسلمات والوقوف على الحدود التي حددها الله، وبالتقوى لا غير تقاس المقامات وتحدد الأماكن للناس، فبها يُعرف الفاضل وضده، ولا قيمة لأي معيار آخر.
كل هذا بفضل قائدها الذي تصدى لقيادتها ولديه مشروع دولة متكامل، وأهداف واضحة وأدوات صالحة، ورغم عدد الشهداء الكبير الذي سقط في سبيل قيام الجمهورية التي أراد، إلا أنه لم يفت بحمل السلاح بل دعا إلى حمل الورود في وجه الجيش الإيراني والذي كان له أثر كبير في تداعي كثير من أبناء الجيش لثورة الإمام والانضمام إليها.
واليوم يقف الإنسان على عتبات التاريخ ليرى ويقارن أين كانت إيران قبل الثورة وأين أصبحت، وهل فعلا حقق الإمام وعده بأننا سنرى بأم عيننا حقيقة تلك الجمهورية؟
لقد عَبَرَ الإمام بثورته إلى دولته التي أراد، ثقافة مستقلة غير تابعة نابعة من وحي القرآن وتضحيات عاشوراء، وجيش مستقل قوي غير تابع لأي جهة عظمى في العالم، وإنجازات علمية متقدمة على كافة المستويات، وديمقراطية تم تفصيلها وفق ثقافة إيران وانتمائها الاسلامي والجغرافي جمعت بين المشروعية والمقبولية، أي بين الله والناس. فكل ما ركز عليه الإمام من أسباب للثورة في إزاحة الشاه، حوّلها إلى نجاحات وإنجازات، امتلكت فيها إيران المكنة والاقتدار والاستقلال، حتى باتت اليوم دولة مستقلة يحسب لها ألف حساب في العالم، وتلعب دورا مهما في تحرير الشعوب من استعمار الخارج والداخل.
ومن أهم ركائز نجاح الثورة هو عدم إسقاط الأشخاص فقط والإبقاء على الفساد الذي أسسوه في الدولة، أي على نظام دولتهم، فالإمام رحمه الله أسقط الشاه ورجالاته ونظامه الفاسد، واستبدله بنظام دولة مغاير ابتدأه من اسم الدولة إلى دستورها إلى مؤسساتها الديمقراطية إلى العلم المعبّر عن الدولة، إلى عقيدتها ومبانيها، أي هو استبدال شبه كامل للشخصيات والمنهج والنظام، وإقامة دولة بنظام وقواعد جديدة. وهذا هو أحد أهم أسرار نجاح ثورة الإمام.

أترك تعليقاً

التعليقات