قشوريون لا قرآنيين
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
طافياً على السطح كعادته؛ خرج من احتجابه عن المجتمع باختراعاته المشتملة على مدى جهله بالحياة والأحياء، وطبيعة تصوره المغلوط للمنهاج الذي أقام قيامة نظام الوصاية، وصاغ فكر الثوري المجاهد وروحيته؛ ففكر ثوري اليوم؛ قائمٌ على الانطلاق من الكتاب المسطور لفهم واستيعاب الكتاب المنظور، وبالتالي العمل على بناء الواقع كله على ضوء الهدى. أما روحيته فهي تلك؛ المتطلعة للكمال، النزاعة نحو الخروج من نفق الذلة والخضوع وانعدام الوزن؛ إلى فضاء العلم والمعرفة والتقدم والفاعلية، بإرادة قوية تبعث على السعي نحو ما يضمن لصاحبها البقاء في مقام العزيز، الحر، الواعي، المستبصر، الملم بطبيعة الأحداث، والتحولات، المدرك لموقعه في الصراع، المبادر لسد كل ثغرة قد تستغل لإلحاق الهزيمة النكراء بثورته ومشروعه الجهادي التحرري الشامل لكل شيء.
أدري؛ أن مثل هذه التحولات القيمية العظمى، والأسس القوية في بنيتها ورسوخها وآثارها ليست معلومة لدى ذلك المتمسك بالقشور، ذي البرج العاجي، المتخذ من عمامته مركباً للوصول إلى قلب الجماهير الحرة وعقلها، لكن لا بد من إيقاظه من سكره، ووضعه وجهاً لوجه مع حقيقته البعيدة كل البعد عن اللحاق بالثورة والثوار مهما اختفت بلبوسهما، واتخذت من شعارات ومحددات المشروع منافذ لتستعيد هيمنتها الأصولية الجامدة، وتوظف المشروع القرآني لخدمة مشروعها الفقهي المكرور العاجز، والذي كان وراء كل نكسات الأمة وهزائمها على امتداد خمسة قرون.
لذلك قولوا له: إن مجتمع الثورة والجهاد ابن مسيرة قرآنية علمته: أن القرآن ميسر من قبل الله له، مادام وهو على استعداد لالتزامه والتحرك بحركته، وقد أُجيز من خلال تمثله له في قوله وفعله، بعد أن قرأه هو، وعرف قرناءه، الأمر الذي جعله ينتزعه انتزاعاً من بين أيدي الكهنة والسحرة والرهبان والقساوسة، ويجعله مقاماً للاتصال بالرحمن دون واسطة أو صك غفران.
لقد صنع رجال المسيرة كل هذه الانتصارات، لأنهم اهتدوا بالقرآن، وتلقوه بصدق وإخلاص ويقين، فكانوا آية للناس. فهبني رجالا استطاعت إجازاتكم لهم بقراءة القرآن صنعوا ما صنعه الملصي، أو طومر، أو أبو شهيد عبر زمن حركتكم العلمية؟
لقد جهل هذا وأمثاله أن: هدى الله لا يُثمر ويقوى وينمو ويشتد إلا في النفوس الحرة من الداخل، الملتزمة للإيمان كقناعة ووعي راسخ، والمنطلقة في سبيل الله بنفس طاهرة خالية من الرواسب والعاهات والدنايا، ليس فيها ميل أو انجذاب لإله غير الله عز وجل، أما الذوات المنتفخة بالأوهام المليئة بالعيوب والمثالب والنقائص، المتخذة لهواها إلها فلن يثمر فيها زرع الهدى، ولن يؤثر فيها دين أو خلق، فالانتماء للحق والتجند تحت لوائه في منظورها؛ مجرد مرحلة من المراحل المطلوب السير فيها للوصول إلى الأهداف الشيطانية التي يبدأ الإفصاح عنها من قبل تلك الذوات عملياً بعدة طرق، منها ادعاء الكمال والعصمة في كل شيء، وتجريم النقد بكل أنواعه، وتحويل المنهاج إلى وسيلة أو غطاء للتخفي خلفه، بعد تحريفه وقولبته بالشكل الذي يجعله متناسبا مع الوضعية التي عليها الواقع بكل ما فيه من سلبيات وإيجابيات، فالمطلوب بنظر هؤلاء هو نزول النهج والثقافة والمشروع والثورة والرسالة إلى مستواهم، وليس الترقي والنهوض بأنفسهم وواقعهم حتى يكونوا بمستوى كل تلك المسلمات.

أترك تعليقاً

التعليقات