عقلنة الأحاسيس
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لا يكتفي الثوار الحقيقيون بالانفعال المتوقف على تحريك الحس وتثوير الشعور والعاطفة، وإنما يسعون لعقلنة تلك الأحاسيس والعواطف بغرض تحريك الفكر الذي يترتب عليه حدوث الفعل الواعي والتام في سياق العمل التغييري، ليكون كل ما ينتج عن حركتهم متناً في الحياة والتاريخ وأصلاً من أصولهما، وليس هامشاً يختفي باختفاء من كوّنوه واستراحوا إليه.
وعليه لا يجدر بنا اليوم اتخاذ السرعة أداةً في أي عملٍ نعمله، لأن ذلك يجعلنا نفقد أهم الركائز التي يحتاجها الفكر التغييري، وهي عملية البناء والتنمية من خلال المراحل التي يمر بها ذلك الفكر وتقطعها الثورة، سواءً طالت تلك المراحل أم قصرت، لأننا نحتاج إلى فهم الواقع ومعرفته لكي نستطيع العمل على تغييره بالعناصر الواقعية المتوفرة لدينا، وذلك في نطاق الظروف الموضوعية التي تحكم حركة الأشياء والأشخاص من حولنا، وهكذا نستطيع أن نعرف أن لكل مرحلة من المراحل أثرها البارز ودورها الهام والمميز، نظراً لما تتركه تلك المراحل من دروس وعبر نتيجة الصبر والمعاناة اللذين يركزان كل التفاصيل والأبعاد الناتجة عن مرحلة ما في وجدان وفكر الثوار، بحيث لا يكون الخروج من مرحلة إلى مرحلة سبباً في الانسلاخ عن الجذور لحركتنا أو سبيلاً لاستعارة جلود غير جلودنا، ولكنه يصبح منطلقاً لنجعل كل مرحلة نصل إليها سبيلاً لتأكيد سلامة الأصل وقوته المتجذرة في النفوس، وبالتالي تستقيم حركتنا عندما ندخل مرحلة جديدة من مراحل العمل الثوري والتغييري لأن كل مرحلة نصل إليها تقوم على أرضية صلبة وقواعد متماسكة وقوية باعتبار أننا من خطط لها وأوجدها وصاغ خطوطها وبذر عواملها التي استوت في ما بعد على سوقها زروعاً تسر الناظرين بما تعطيه من انطباع واطمئنان في النفوس جراء ما تحمله تلك العوامل من نتائج تغني الواقع الحركي بمختلف صنوف الثمر.
وخلاصة القول، إن المراحل متداخلة مع بعضها، ولا تكون المرحلة الثانية صحيحة ومجدية وفاعلة وقوية إلا عندما نلم بالمرحلة الأولى ونستحضرها بكل جوانبها على صعيد الفكر والممارسة، لأن كل مرحلة ما هي إلا جنينٌ يولد من رحم المرحلة التي سبقتها، وكل مقدمة لا بد لها من نتيجة من جنسها ومعبرة عنها سلباً أو إيجاباً.

أترك تعليقاً

التعليقات