حديث شبه كاتبٍ مع نفسه
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
وأنا أتهيأ للانطلاقة بكتابة هذه المادة، كالمعتاد، بادرتني نفسي بالقول: هل شعرت بالخوف يلامس أفكارك، ويتسلل ببطء إلى زوايا قلبك، يحمل إليك رسالةَ مَن لا يغفر لناقدٍ أخلص في بيانه لكشف خلل، وقاده قلمه لتتبع خطوات انحراف وزلل، ودفعه الحماس الثوري والوعي الجهادي لخوض معركة مع وكر فساد ما؟! أما آن الأوان لكي تخفف من غلوائك في الصراحة في الطرح، وتحدّ جماح نفسك الثورية في المجاهرة بفضح المنكر، والثبات في ساحات الدفاع عن كل ما هو معروف؟! هادن ما استطعت إلى المهادنة سبيلاً، وداهن ما أمكنك للمداهنة موقف! تصالح مع الخطأ كفكرة أو شخص، وتقارب مع الباطل كتوجه أو نظام أو أسلوب له مَن يرعاه ويفعله ويقوي مراكزه! ثم مَن تظن نفسك أيها الأحمق؟! لست سوى مبتدئٍ في عالم الكتابة، وقاصر في جمهورية الفكر، ومغمورٍ غرٍّ في قبيلة الإعلام والإعلاميين وسوق الثقافة والمثقفين، إلى جانب محدودية علاقاتك، وقلة معارفك، كل ذلك يوحي لك بضرورة الالتزام بالعقلانية، حينما تكتب، والبحث عن السبل التي تقربك من ذوي الجاه والمنصب، الذين إذا ما نلت إعجابهم رفعوك، وإلى خواصهم ضموك، فتتنزل عليك الريالات من سحابة أيديهم، وتتوالى عليك المناصب والترقيات من على مكاتبهم! هيا ابدأ الآن، قبل أن يطالك الخطف في لحظة غفلة من نهار، أو هجعةٍ من ليل، فلا يُعرف لك طريق، ولا يهتدي لمكانك محبٌّ قريب، أو مودٌّ ورفيق، اجتمعت وإياه في رحلة البحث عن الحقيقة، وتوحدت معه في مواكب السير صوب الأهداف المقدسة والعظيمة!
لقد هالني منطقها، وخيّب أملي قصدها وغايتها من وراء ما أثارته من حديث؛ فأنا مجرد شبه كاتب يحاول الإسهام بتقديم قطرة مما يظنه فهماً لشيء من الواقع، أو يعتقده عاملاً لتعزيز وعي، أو بعداً لاستقامة فعل، أو أساساً لتقويم سلوك، وتقييم أداء، وتدعيم توجه للبناء والإصلاح، إلى جانب الكثير من الجداول والعيون، التي تطمح لإيجاد نهرٍ يسقي الحقيقة، ويعزز بقاءها، ويساند توسع ضفافها، وتمدد بساتينها وجناتها، ثم لست ثورياً إلى الدرجة التي تجعلني مستحقاً لهكذا صفة؛ ولكنني إنسانٌ خالط نهج حسين بدر الدين (رضوان الله عليه) دمه، وتملك عليه خطابه القرآني شغاف قلبه، مسلماً روحه للتحليق في آفاق البدر المنير من جبين أبي جبريل سيد الثورة (حفظه الله)، لأجدني معنياً باتخاذ القرار، عندما تكشفت الحقائق، وتمايزت الصفوف، وبانت هنالك طريقان: حقٌّ، أو باطل، فاخترت الحق عن قناعة وبينة من أمري، ويقين في معتقدي؛ ولكنني لا أزال في دائرة التقصير، وضعف الهمة، محاطاً بجيوش من النوازع والفجوات والأفكار والمخاوف التي تمنعني من القيام بواجبي تجاه ما آمنت به على أكمل وجه، فحق هذه المسيرة كبير علينا، ومضامينها أوسع بكثير من مخيلاتنا، لذلك نسأل من الله الهداية والعفو والمغفرة والتثبيت والعون والسداد.
نعم أيتها النفس، ما زلت خوافاً في قول الحق كما ينبغي، نزاعاً لاتقاء شر الزياديين المتدثرين بثوب الحسين، مؤثراً السلامة كما آثرها المكيون والمدنيون والكوفيون والبصريون والشاميون واليمنيون يوم الطف وما بعده حتى مران، وما أصرح به من نقد للواقع السلبي، والوضع المزري، هو الشيء الذي يقوى على القيام به أجبن الجبناء! صدقيني، لو أنني لم أكن أخاف فعلاً لكان لشذراتي و»مسكوتاتي» أثر واقعي وملموس! ولا أخفيك أن خوفي من قول كل ما هو حق كما هو، نابعٌ من الإيمان ببعض النهج الحسيني، والإعراض عن البعض الآخر، وإلا لوجدتِ لدروس معرفة الله وعده ووعيده انعكاساً في روحيتي وفكري، فليس هنالك عذاب أشد من عذاب يوم القيامة، وليس ثمة قوة أو سلاح أو سجن بمستوى جهنم، وليس هناك مَن يملك جزءاً بسيطاً من قوة أو سلطان وقدرة وحاكمية الحي القيوم.
ثم مَن قال لك إن بداية التجربة مع عالم الكتابة، أو المحدودية الفكرية، أو عدم الشهرة، وفقدان النجومية بين الجماهير عاملٌ لإضعافي؟! لا، أيتها الغبية، فأنت هنا، في مقام الجندية لله، المقام الذي يتساوى فيه الجميع، والميدان الذي لا يعترف إلا بالصادقين المتقين، وإن قصر بهم نسبٌ، ولم يحظوا بمكانة اجتماعية، وينالوا تعظيم واحترام سواهم، فالساحة تنافسية، والفوز للذين سيسبقون سواهم بفعل الخيرات، والميزان الحقيقي هو ميزان الله وحده، الذي سيضعه غداً لتحديد المواقع، وبيان الأفضلية بين خلقه، وإظهار مستحقيها عن جدارة منهم جميعاً.

أترك تعليقاً

التعليقات