صناعة التفاهة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
ترك كل شيء يسير كما يحلو له دون أن نبدي انطباعنا تجاهه سلباً أو إيجاباً، من خلال ممارسة النقد المسؤول، بوعي وشمولية واتزان، أوقعنا في الكثير من المزالق والحفر، وتسبب لنا في الكثير من العثرات والسقطات، وجلب لنا أكثر من ظاهرة مرضية نتج عنها وجود إعاقات مستديمة لدى جهات وقطاعات تابعة للدولة بالكامل، مع وجود بعض القطاعات التي لاتزال تنعم بالعافية إلا أنها لم تخرج تماماً عن دائرة الخطر الذي يتهددها، وخصوصاً بعد وجود مصابين بالإعاقة المستدامة داخل بنيتها العاملة، أو لدى بعض مَن يملكون الحق في التدخل في شؤون تلك الجهات، ولهم اليد العليا في تحديد مهامها وأدوارها، وفي تغيير مسارها أو تشجيع العاملين فيها ودعم أنشطتهم، أو إيقافها وتجميدها ولربما إلغائها ومحو آثار وجودها نهائياً.
لقد أضعنا الوقت، وأهدرنا الطاقات والجهود التي لا يُستهان بها، في محاولاتنا الترقيعية، وممارساتنا العملية التي تتركز على التوجه لإصلاح ظاهر الأشياء دون الالتفات إلى بواطنها، والتركيز على الحد من انتشار مشكلات واقعنا من خلال التعامل معها بما يقترب من طريقة تعامل المصاب بمرضٍ خبيث مع الآلام التي يعاني منها، إذ يلجأ إلى المهدئات والمسكنات للآلام دون أن يتوقف ذلك المرض عن النيل منه وجره لحافة النهاية لحياته بشكل مطلق، لأنه حسب حساب الألم ولم يلق بالاً للمرض بصورة عامة، وهكذا نحن نهتم بالقشور ولا نعطي أياً من اهتمامنا للعمق، ونعمل لكسب اللحظة الراهنة كيفما اتفق، ولا نحسب حساب الغد على كل المستويات.
إن ما يجدر بكل العقلاء والواعين والمثقفين والنابهين من أبناء الشعب ورجال ثورته هو: التحرك ليس لمواجهة الحرب الناعمة فحسب، ولا لمواجهة الاستحمار فقط، وإنما لمواجهة التفاهة كظاهرة، ومواجهة صناعها ومخرجاتها، فهي اليوم السلاح الأكثر استعمالاً لقصف عقولنا والأكثر فاعلية في تدميرها بالمستوى الذي يجعله مطلوباً دون سواه، ومقدماً على غيره.
ومن ذلك مثلاً، ظاهرة العدوى الترمبية التي أصابت بعض الساسة، ولكن بشكل أسوأ حتى من المجنون ترمب، وذلك ما نشاهده فعلاً في حسابات هذا البعض يومياً، والمشكلة أن بعضهم من قيادات الصف الأول للبلد، ومع ذلك لا تكاد تجد منشورا له أو ترى تغريدة إلا ووجدتهما مبدوأين بعبارة: ندعو أو نتمنى أو نطالب، وهو صاحب قرار، ولكن لم يستوعب مكانه وما يتعلق به، فلو كان واعياً لدوره وعارفاً لطبيعة موقعه لأدرك أن طريق اتخاذ القرار لا تمر عبر «تويتر»، وإنما تُقدم كمقترحات بشكل سري وتخضع للمناقشة والأخذ والرد، وقد تؤخذ كلها أو ترفض كلها، والحقيقة أن هؤلاء ليسوا قادرين على التفريق بين دور الناشط ودور السياسي، إلى جانب حب الإطراء والمديح الذي يبحثون عنه بكل الطرق.

أترك تعليقاً

التعليقات