داء عمى (عين على القرآن)
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
غفلتنا عن الجوانب التي تبني روحية العامل في سبيل الله في ميدان الفكر والكلمة أدباً وفناً وجمالاً وحباً ورحمةً وليناً، وعطفاً وإحساناً ولطفاً، كلفتنا الكثير من الخسائر، سواءً في تراجع نسبة التأثير على الجماهير التي نتجه نحوها بخطابنا الفكري والعقائدي والاجتماعي والسياسي والتربوي وغير ذلك، أم في ما يتعلق بنوعية المكلفين بحمل هذا المشروع إلى الناس كسفراء وممثلين له ومتحدثين باسمه ومعبرين عنه في كل حالاتهم العملية والسلوكية والوجدانية والشعورية، إذ نجد جل تركيزنا في بناء القاعدة الجماهيرية، أو توسيع دائرة الحاضنة الاجتماعية مقتصراً على مناطق بعينها وقبائل محددة، وأما إذا انطلقنا لمخاطبة المجتمع كله فإن خطابنا قائمٌ على التعزيز لجانب الحماس والانفعال وكيفية الإثارة له أكثر فأكثر، دون أن نراعي ما قد يجره حماس المتحمسين وانفعال المنفعلين من تبعات ونكبات قد تطال الواقع كله، نتيجة خلو ذلك التوجه المنفعل من الزاد الفكري الذي يحفظ توازنه ويضبط خطواته، والمعين الروحي الذي يبقي على طهارته الإنسانية، ويحول بينه وبين العلو والطغيان والانحراف والغرور، الأمر الذي جعلنا نحصل على الكم الهائل من الجماهير المساندة والداعمة، ولكن هذا الكم عرضة لاستقطاب الآخرين لكوننا تعامينا عن الكيفية التي لا بد من الحرص عليها في السعي لإيجاد القاعدة القوية لهذا المشروع، والتي تراعي نوعية الأشخاص ومستوى قابلياتهم لتحمل المسؤولية، ومدى قناعتهم بالسير على هذا الطريق، بحيث يصبح وجود المنتمين عاملا من العوامل التي تعزز قوة المشروع وإن قل عددهم، بينما لو بقينا على ما نحن عليه اليوم من سعي لتحقيق الكسب لأكبر عدد ممكن فإن ذلك الكم سيتحول إلى عامل من عوامل الضعف والتراجع، باعتباره خالياً من كل المقومات التي تجعله يعيش الفكر والروح والموقف الذي يمثل المشروع في أوضح صورة على كل المستويات، وعلينا أن نتعامل مع هذه الظاهرة كداء يجب البحث في أسباب وجوده وانتشاره، مع البيان لآثاره التي يتركها على الواقع كله، إلى جانب تحديد الدواء الذي يقضي عليه، والكشف عن طرق الوقاية منه، ولعل أهم الأسباب التي تقف وراء وجود هذا الداء هي:
انصرافنا إلى جعل الوقائع والأحداث بكل معانيها وأبعادها ومظاهرها هي المادة الوحيدة التي نبني عليها كل ما نقدمه للناس من مواد فكرية، وبرامج ثقافية واجتماعية وغيرها، بغرض الحصد لأكبر قدر ممكن من القناعات بين المتابعين والسامعين، وذلك بخلاف القاعدة الفكرية التي هي جزء أساسي في مشروعنا، وأصل من الأصول التي يجب الانطلاق منها في كل تحركاتنا العملية: عينٌ على القرآن وعينٌ على الأحداث، الأمر الذي جعلنا نعيش أمام شخصية اجتماعية مرتبكة وفاقدة لتوازنها ولاسيما لدى المتعلمين وجزء كبير من المثقفين والساسة، الذين يعون كل التفاصيل لكل الإشكالات والتحديات والمخاطر التي يضج بها الواقع، ولكنهم عاجزون عن فعل شيء إزاءها، لجهلهم برسالتهم في الحياة ودورهم في الحل لمشكلاتها، نتيجة انصرافهم عن وحي الله، وبحثهم عن الحل من خارج كتابه العزيز، فكانت كل حلولهم تزيد الواقع سوءًا وتعقيداً.
الحرص على جعل كل ما يصدر من قبل المسؤولين من قرارات، وممارسات وأعمال وخطابات حاكمةً على المشروع وحجةً عليه، لا أن يكون المشروع حاكماً عليها، ومرجعاً لتقييمها وبيان علاقتها بالحق أو الباطل، وبالتالي فلا مكان لتقبل النقد والمراجعة لدى الساسة، حتى وإن خالفوا القرآن، وحادوا عن هدى الله، وعصوا أمره، وتنكروا لسننه التي لا تتبدل أو تتغير على مدى الحياة والأزمان.
العمل على استحضار كل المظاهر السلبية التي حكمت الواقع اليمني كله وكانت وراء كل أوضاعه المتردية والمأساوية زمن الوصاية والتبعية لنظام العمالة والارتزاق والخيانة، بغرض الإلهاء للجماهير والثوار بما كان، وإبعادهم عن التفكير بما يجب أن يكون، ليصبح بعد ذلك الحديث عن أي ظاهرة سلبية أو خلل أو فساد أو ظلم لدى العاملين لا معنى له، ولا يترك أي أثر في الضمير ناهيك أن يدفع نحو الإصلاح، باعتبار أنه لايزال أخف بكثير مما كان عليه الحال في زمن الوصاية، لذلك لا داعي للقلق، غير مدركين أن مجرد التفكير بمقارنة حركتنا وثورتنا ومشروعنا وقادتنا بالماضي هو إهانة لنا، وحط من قدر المشروع والثقافة التي نحمل، وتحقير من المنطلقات والأهداف التي نسعى لتحقيقها، إذ كيف نجعل تصرفات أبي جهل حجةً على تصرفات أحد المعنيين بتحمل المسؤولية في صدر الإسلام؟ وكيف منحنا أنفسنا الحق بجعل عباد الله والمربوبين له، بمنزلة عباد أمريكا والمربوبين لها؟
جعلنا مسألة الرد على ما يثيره الأعداء والمخالفون أولوية لا بد من دحضها والبيان لمستوى بطلان كل مزاعمهم التي يبثونها ضدنا، بأي طريقة من الطرق، وأياً كان الأسلوب المتبع في ذلك، ومهما كان مدى نسبة الباطل الذي نقوم بمزجه مع الحق، غير مكترثين بأن الخلل في الوسيلة مقدمة للإخلال بالمسيرة كلها على مستوى الوجهة والغاية والهدف.

أترك تعليقاً

التعليقات