أخشى ألا نصل!
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
يدهُ مغلولةٌ رغماً عنه إلى القيد؛ ذلك الذي يجعله أسيراً للماضي؛ ماضي الوصاية والعمالة والتبعية. وقدماهُ كلما قطعتا شوطاً نحو الغد؛ نصب لها التجار شركاً؛ ليعيدوهما إلى (ما قبل ثورة) والكارثة؛ أنه يرى دمه قد سقى زروع العزة، وأشلاءه وقد بنت صرح الحرية والسيادة والاستقلال، وصبره وصموده قد افتتحا مراحل لولادة زمنٍ جديد؛ زمنٍ شمسه البصيرة، وروحه الجهاد والمقاومة؛ زمنٍ عنوانه (الوفاء بعهد الله) وأرضيته (الثبات على المبدأ) دون تبديل، فطريق الشهادة لله؛ لا يسلكه إلى منتهاه سوى (رجال صدقوا).
إنه في ذروة تجلي النور، الظاهر (بمنهاج) والمعزز (بقيادة وأمة) والشارح (لطريقة عملية) يجب التزامها؛ يرى تسلل الظلمات يهاجمه على حين غفلة، كل يوم؛ ليقتلعه من الجذور، ويغرقه في أتون العجز والعدمية، بعد أن يجرده من ممكنات الحلم، ومقومات الأمل.
اقتربت منه، ثم سألته: ماذا دهاك؟ أجابني قائلاً: أحياناً يأبى عقلك إلا أن يهجم عليك فجأةً بسلسلة من الأحداث التي مضت وانقضت، وملفات من الذكريات التي لا تحصى بحلوها ومرها، وجيدها ورديئها، فتجد نفسك محاطاً بالورد والشوك والجمر والسكاكين، بالحزن والسعادة، بالفرحة والمأساة، بالآمال والآلام والأحلام والخيبات، ثم أنت مجبرٌ على الوقوف عليها صفحةً صفحة، واسترجاع جميع مراحلها بكل صورها ومشاهدها وأحداثها وأشخاصها وأماكنها، وكلما حاولت التملص والفرار منها؛ أحكمت قبضتها عليك أكثر فأكثر، حينها لا تملك إلا أن تستسلم أمام سطوة العقل، وهيمنة الذكريات القاسية، فتبدأ الحوار والنقاش مع ذاتك، بحضور ضميرك ووجدانك قائلاً: كيف تحملت كل هذا العذاب وطويت كل هذه الدروب المسكونة بالمصائب؟ وكيف لم أحسب حينها لأي تضحية في سبيل الوصول إلى هدفي وبلوغ غايتي حسابا؟
قاطعته: هل رأيتهم عادوا؟ نعم؛ وقد هالني ما رأيت.
بادرته سريعاً: إذن كسروك؛ فاستسلمت لهم؟
لا؛ فمازلت قادراً على الحركة، مالكاً لإرادة الفعل، حافظاً لنفسي من الوقوع في بؤر الخزي والعار والمذلة والعبودية، محتفظاً بقلمي ولساني، اللذين لم يهتفا حتى الساعة سوى للحق والعدل والحرية، ولم يتجندا لغير الله وكتابه ورسله وأعلام دينه، ولي وجودٌ بين ثوار وأحرار بلدي، أسير وإياهم في إطار موقف وقضية؛ لكني أخشى ألا نصل. لماذا؟
يجيب: لأن أي ثورةٍ لا يجيد بنوها ترجمة لغة بندقيتها إلى تيار يسري في الواقع باعثاً الحياة في عالم الأفكار، والحركة في كل الأشياء في عالم الطبيعة، معززاً من سيادة المفاهيم والقيم والمبادئ والأهداف التي جاء بها المنهاج، وانطلقت بفعلها ومن أجلها الثورة؛ فسوف يجدون من بينهم مَن سيتحولون إلى وحوش لافتراسهم، ومحو وجودهم، لذلك كثيرةٌ هي تلك الثورات التي أكلت أبناءها!

أترك تعليقاً

التعليقات