علموا الحق ولم يعرفوه
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
في المناسبات الدينية الهامة، والمحطات المفصلية من تاريخ تحركنا الثوري والجهادي، تظهر مواهب مسؤولينا في مختلف مؤسسات الدولة، ولاسيما في مجال الخطابة والقدرة العجيبة على السرد التاريخي، وأمام ذلك كله يتبادر إلى الذهن السؤال التالي:
إذا كان السواد الأعظم من مسؤولينا بهذا المستوى من الفهم للمنهج، والعلم بكل المراحل التي قطعها المشروع، وما صاحب ذلك من تضحيات ومعاناة، وما نتج عن كل تلك التضحيات والمعاناة من تحولات كبرى، تُوجت بثورة الـ21 من أيلول/سبتمبر المجيدة، فلماذا لا نرى ذلك الفهم وذلك الوعي الذي نسمعه في كلماتهم المناسباتية، في واقعهم العملي؟ ولماذا لا نلمس آثاره ونتائجه من خلال نشاطاتهم في المؤسسات التي يُعنون بها؟
والجواب: لأننا بُلينا كأمةٍ إسلامية، بالفئات التي تعلم بالشيء وبكل تفاصيله ومراميه، ولكن دون أن يقودها ذلك العلم إلى العمل بمقتضاه، لأن علاقتها بما علمت توقفت على تخزين كل ذلك كمعلومات في الذهنية، دون أن تعمل على تحويل ذلك إلى معرفة.
وإذا ما رجعنا إلى تاريخ صدر الإسلام فإننا سنجد النماذج الكثيرة لمثل هذه النوعية، وسنلتقي بالشواهد المتعددة التي تعطينا التصور الكامل عن هؤلاء، فلقد سمع المسلمون ما قاله النبي (صلى الله عليه وآله) في غدير خم، وعلموه، ومع ذلك سرعان ما قام كبراء القوم بالانقلاب على ذلك، بعد التحاق رسول الله بالرفيق الأعلى، لأنهم علموا دون أن يعرفوا، لكون المعرفة تقتضي تولّد يقين داخل النفس يدفع صاحبه إلى الالتزام بما عرفه من الحق، من خلال تحركه العملي، المصحوب بالحب والرغبة والاندفاع القوي والمتواصل والدائم، بغرض التجسيد لكل مظاهر الهدى والصلاح والنور التي تعيشها الذات في بنيتها النفسية والفكرية والعقائدية، في الواقع الخارجي، بحيث يرى الناس تجليات شهادة تلك الذات لله سبحانه، في ممارساتها وأفعالها، قبل أن يسمعوه في أقوالها.
وما لم يسع الإنسان لاتباع هذا السلوك في كل ما علمه ووعاه، وفهمه واستوعبه، فإنه ولا شك قد تنازل عن آدميته، ليصبح حماراً في حال اقتصر نشاطه على التحصيل العلمي فقط، ودون أن يكون لما علمه أثر في سلوكياته أو انعكاس على أعماله، وقد يصير كلباً في حال اتبع هواه، بعد أن قضى مدة من الزمن عالماً وعاملاً بالحق، كما بين الله عز وجل، في كتابه الكريم.

أترك تعليقاً

التعليقات