الخونج والبنية النفسية والفكرية
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
إذا التبس عليك أمرٌ من الأمور المتعلقة بإحدى القضايا البارزة في الساحة، بالمستوى الذي لم تعد قادراً على معرفة مدى قربها من الحق ومجانبتها للباطل، أو العكس، فانظر إلى موقف الحركة الإخونجية الحرانية الوهابية التكفيرية من تلك القضية، فإذا وجدتهم يتعاطون معها بإيجابية، ويبادرون بدعم أصحابها ويكثرون من ذكرهم والإشادة بهم فاعلم أنها باطلٌ محضٌ، وفسادٌ كبير وشرٌ مستطير، أما إذا وجدتهم يتعاطون معها بسلبيةٍ مطلقةٍ، ويكثرون من تحذير الناس من الدخول فيها أو تبنيها، ويعملون على تشويه حملتها ورموزها إلى جانب الإعلان عن عداوتهم والتحرك الشامل لمحاربتهم، فاعلم أنها الحق الصراح، الذي لا يدانيه الباطل بقليلٍ أو كثير.
ولا يخفى على المتتبع للأحداث الهامة والقضايا الكبرى على المستويين عالمياً وإقليمياً صوابية هذا الاستنتاج، الذي يُعد عاملاً مهماً في تعزيز ثبات الثابتين في ميدان العمل لله، متى ما جعلوه مقياساً لاستبانة ما وراء المواقف والكلمات المنطلقة من هنا وهناك قبل أن يتأثر المجتمع بها وتؤثر في الواقع ويلمس الناس نتائجها على كل المستويات.
إن الإخوان في بنيتهم وتركيبتهم النفسية: نموذج طبيعي لثقافة توارثها المنحرفون والمبطلون والمنافقون من ذوي الانحراف الأول بعد أن التحق النبي الأكرم صلى الله عليه وآله بالرفيق الأعلى، واستطاعوا بهذه الثقافة أن يوجدوا ديناً بديلاً عن الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده، ويدخلوا في دين الله ما ليس منه، إلى الدرجة التي يجد المسلم فيها نفسه ملزماً بالتعبد بكل ما هو باطل، ومجبراً على الاعتقاد بقداسة كل ما هو منافٍ للفطرة، ومطالباً باتباع أثر الظالمين، ومدفوعاً دفعاً لسلوك سبيل المفسدين، مفارقاً للقرآن، ومجافياً لقرنائه، تالياً لصحف السم الزعاف، من الأخبار المخترعة والأحاديث الموضوعة، التي اجتهد فيها كعب الأحبار، وتلاقفها أبواق وسدنة مواخير صبيان بني أمية ولفيف الطلقاء والمنافقين، وسندها التجار الذين ارتدوا بعد إيمان وجحدوا بعد يقين، وقامت عليها قواعد كل مباني سلطات الجور والملك العضوض في كل زمن، من رأس الفئة الباغية، مروراً بالسلطة العباسية ومتوكلها الجامع لما أوجده معاوية متفرقاً، وصولاً إلى الوهابية ومخرجاتها اليوم، وبالتالي فلا بد على كل تلك القوى من أن تقف بوجه كل من يحاول أن يعود بالأمة إلى مفترق الطرق، لأن هذه العودة تعني نهاية وفناء الانحراف والتحريف، وبعث الإسلام الإلهي من جديد، والقضاء التام على إسلام الطلقاء.
لا نقول ذلك من باب التحامل والخصومة، ولا نصدر في الحكم على هذه الغدة السرطانية عن عقدة مذهبية، أو عصبية وتحيز طائفي، وإنما هي الحقيقة لا سواها. فإن من يحلّل العناصر الفكرية الأساسية التي تشكل فكر ومنهجية الخونج كحركة وتنظيم تكفيري إجرامي، والمبني من مجموعة من العناصر أبرزها: (إلغاء، عصبيّة، استبداد، عنف، إجرام، شكلية دينية، قداسوية) يصل إلى هذه النتيجة، أنها حركة جاءت كنتاج لذلك التأويل للدين، الذي هو خليط من عناصر جاهلية وسلطوية ودينية، تأخذ من الدين ظاهره، وتدع جوهره. تعمل بـ(طقوسه) وتنبذ قيمه. تستعير قدسيته، وتجافي رحمته، تأتزر مشروعيته، لكنها تقصي إنسانيّته وحضاريّته، ومعانيه الأخلاقيّة السامية.

أترك تعليقاً

التعليقات