الإخوان وصناعة الموت
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
ظل التكفيري في مجتمعاتنا ينسج مع دينه وأيديولوجياه علاقة خاصة قائمة على تسويغ الفعل العنفي. لذلك وجدنا الأيديولوجيا التي يستند إليها تخفف وطأة تأنيب الضمير، وتمنح مسوغاً يجعله لا يحس بالاطمئنان تجاه جريمته فحسب، بل يصبح الإجرام واجباً مقدساً يمارسه بحماسة؛ في مفارقة صناعة الموت الجميل كما يحلم به هذا التكفيري، الذي تمنحه الأيديولوجيا، وعلاقته غير السوية مع التعاليم الدينية، من الإغراء ما يستسهل قتل النفس المحرّمة.
من هنا نعرف طبيعة الأيديولوجيا التي يستند إليها الإخوان؛ إذ ليس لها من وظيفة سوى أنها تقوم بدور المخدر، لموت عنيف أراد له طالبه أن يزداد عنفاً ليزداد قداسة.
والجذر الحقيقي لهذا النمط من العنف، الذي هو بالنتيجة تجلٍّ آخر للعنف الثاوي في صلب التكوين العربي، يطلب في الشروط الاجتماعية والنفسية، وليس في الدين أو الأيديولوجيا، التي ليس لها إلا أن تلعب دور رصاصة الرحمة التي تريح القاتل والمقتول.
لقد قال الإمام علي قبل أكثر من ألف عام: «إذا رأيتم الرايات السود فالزموا الأرض ولا تحركوا أيديكم ولا أرجلكم، ثم يظهر قوم ضعفاء لا يُؤبه لهم، قلوبهم كزُبَر الحديد، هم أصحاب الدولة، لا يفون بعهد ولا ميثاق، يدعون إلى الحق وليسوا من أهله، أسماؤهم الكنى ونسبتهم القرى، وشعورهم مرخاة كشعور النساء، حتى يختلفوا فيما بينهم ثم يؤتي الله الحق من يشاء».
والغريب أن تنبؤ الإمام علي بهم كان يقوم على علم ديني/ سياسي معاً؛ ذلك أن السلوك الإقصائي للجماعات السياسية الإسلامية مثّل التراث الحقيقي لأي جماعة تتبنى هدف الوصول للسلطة، إما من خلال طرق ديمقراطية ثم الانقلاب عليها، وإما السيطرة على بقعة أرض تعتبرها دار الإسلام، وباقي المناطق ديار كفر. ولأنهم ممتدون بسلوكهم إلى ماضٍ يعتقدون أنه ماضٍ ذهبي للسلف، فهم لبسوا الملابس نفسها، أي معبرين عن أنفسهم مظهريّاً بسلوكهم وفكرهم الذي يعتقدون صوابه، وبالتالي جاءت كلمات الإمام خير تعبير عن ثقافة التكفير، وثقافة تشابه الملامح الفكرية بين الماضي والحاضر.
يرى الإخواني أن مجتمعه هو مجتمع «الجاهلية»، وهو مصطلح يستخدم عادة لوصف الهمجية المرتبكة التي كانت سائدة بين العرب في العصر الجاهلي، وقد طبّق سيد قطب هذه الفكرة على العالم المعاصر، ونظام الدولة السائد، لاسيما على الدول والمجتمعات الإسلامية.
والفكرة الأخرى التي انتشرت لديهم على يد قطب هي اعتبار أن جميع المسلمين ليسوا مسلمين حقًّاً، حيث اعتبرهم قطب «غير مؤمنين» و«شمرتدين»، منادياً بتكفيرهم، أو نفيهم، أو إعلان خروجهم على الدين رسميّاً، ووحدهم الناشطون المخلصون للدعوة، من وجهة نظر قطب، اعتبروا مسلمين صادقين.
كما اعتبر سيد قطب أن المجتمعات الإسلامية على القدر نفسه من السوء الذي عليه الولايات المتحدة أو «إسرائيل»، وهي جميعها دول فاشلة، وأن الحل الوحيد لهذه «الجاهلية» هو «قبول الشريعة».

أترك تعليقاً

التعليقات