كن البوق، لا الغريد!
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
قد يعتري حملة مشعل الكلمة في كثيرٍ من الأحيان شيءٌ من الخوف، أو الضعف، أو اللامبالاة بكل ما يجري من حولهم.
أما الخوف؛ فنتيجة وجود النافذين في عالم الكلمة، الذين يعملون بكل ما لديهم على جعل كل ما يمكن أن يُكتَب أو يقال خاضعاً لمستوى تفكيرهم وتصوراتهم لكل ما يتعلق بالإنسان والحياة، ومبنياً على ضوء مفاهيمهم مهما كانت محدودة وقاصرة وضعيفة.
وأما الضعف فلأنك واجدٌ في ذات الميدان الذي تعمل وتتحرك من خلاله الكثيرين الذين يحظون بالمكانة الكبيرة والمنزلة العليا لدى الكاتمين على أنفاس الكلمة والجاثمين على صدر الفكر والممسكين بخناق الإعلام والثقافة هم أقل الناس خبرةً وأكثرهم افتقارا لأبسط الأدوات التي تمكنهم من العطاء، فتقول: إذن فلماذا أكلف نفسي فوق طاقتها؟ ولماذا أستنفد كل طاقتي وأبذل كل جهدي في واقعٍ لا يخضع فيه تقييم الأشخاص والأعمال لمعايير مهنية؟ فالحظ وحده أو مع وجود أخواته وإخوته هو مع كل تلك العوامل، يمثل الأدوات التي بموجبها توضع معايير التقييم وتتحدد على أساسها مقاييس النجاح أو الفشل.
وأما اللامبالاة فنتيجة إحساسك بقلة التأثير أو انعدامه بالكلية لكل ما قد تقوله أو تكتبه، فكلما تحدث المتحدثون الواعون، وكتب الكتاب المخلصون، حول سلبية ما أو ظاهرة ما، ازدادت اتساعاً وتمدداً، وتجد أنه مهما أسدي من النصائح وقُدم من الحلول تجاه أي مشكلة أو خلل من قبل من يهتمون بمصير ومصالح مجتمعهم، فإنها لا تحظى بأدنى اهتمام من قبل الدولة، ولا يُلقى لها بال.
وإذا ما حاولت أن تخرج عن ذلك السياج الذي أحاطوا به قلمك، وحدوا به فكرك، أصابك منهم ما لم يكن بالحسبان، فقد تتعرض للإقصاء عن عملك الذي كنت تتخذه منبراً للقيام بالدور الرسالي، وحمل مسؤولية الكلمة، ولن يقف الأمر عند هذا الحد، بل سيتعداه إلى التعدي على لقمة عيشك، فيتم قطع كل مستحقاتك المادية التي لا قدرة لك على مواجهة ظروف الحياة ومتطلبات المعيشة إلا من خلالها، الأمر الذي يجعلك قابلاً للطرق والسحب والتشكيل!
كيف لا؛ وهم الذين يمسكون بأيديهم ناصية حياتك كل حياتك؟! فأين المفر؛ وهم الذين يملكون الحق الحصري في تقرير مصيرك؟
دعك من الشعارات؛ هادن ما استطعت للباطل؛ وتصالح ما أمكن مع الفساد والمفسدين؛ وكنْ مع المنحرفين والعاجزين والظالمين والقاصرين المقصرين؛ أداةً لا تسمع إلا ما يريدون؛ ولا ترى إلا ما يرونه؛ فهم المرجع والمقام والحجة والمنطلق!
لا تناقشْ؛ فقد حُسِمَ الأمر. لذلك ما عليك إلا الاستجابة صاغراً لكل ما يطلبونه منك، والانقياد طوعاً أو كرهاً لكل ما يأمرونك به، وإلا فانتظر العواقب التي عليك أن تتحمل نتائجها وحدك، ثم ما الذي سيضيرك إذا أصبحت مثل هذا أو ذاك أو هؤلاء أو أولئك، الذين يقبلون جميعاً على العمل بما يُطلبُ منهم دون تفكيرٍ أو مناقشةٍ ولو حتى بغرض الفهم؟!
تاجرْ بكل شيء؛ فالزمن زمن التجار حتى بالقيم والمبادئ. كنْ بوقاً ينقل ما يُنفخ فيه؛ لا صوتاً يصدح بالحق، ويرغب بإيقاظ النائم، وتنبيه الغافل!
لا تعجب؛ فالبقاءُ في الصدارة حليفُ كل بوق؛ والفناء والعار والمذلة؛ نصيب كل الأصوات التي تشدو للغد، وتحتفي بالنور، وتعادي الظلمة.

أترك تعليقاً

التعليقات