ورد ومورد «الحلقة الخامسة عشرة»
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
وهكذا نستمر مع دعاء الافتتاح، لتترسخ في مواجيدنا الأسس والمفاهيم التي لا بد أن تقوم عليها حياتنا، ويصلح بموجبها واقعنا، ويتم ويكتمل على ضوئها ديننا، فالحق هو ذاك الذي نتطلع إليه، مُهيئين أنفسنا لحمله بالكامل، وهذا ما نلمسه -كما قلنا بالأمس- في الفقرة التي تقول: "اللهم ما عرفتنا من الحق فحمّلناه". ثم لا يكتفي الإنسان عند ما عرف من الحق، بل يظل دائماً حريصاً على أن يطلب من الله الهداية إلى كل ما لا يعرفه من الحق، لأن الهداية إلى الحق كله، واليقين كله، الإيمان كله، والإخلاص كله، لا يملكها إلا الله ولا تطلب إلا منه، ذاك ما نستوحيه من الفقرة التي تقول: "وما قصرنا عنه فبلغناه”.
ثم يقف بنا الدعاء في نهاية المطاف عند الشكوى واللوعة والألم التي تنبثق جميعها وتتفجر من بين حنايا المؤمنين صاعدة بأصدق الدعوات إلى الله ومحتوية لمعاني الانقطاع إليه، والاعتماد عليه، والاستناد إلى قوته. هذا ما تبينه لنا هذه الفقرة: "اللهم إنا نشكو إليك فقر نبينا، وكثرة عدونا، وقلة عددنا، وتضافر الزمان علينا". نحن يا رب نتوجه إليك بالشكوى لفقدان نبينا، الذي بفقده فقدنا الأمان، الذي يصل بين السماء والأرض، وفقدنا الاستقامة بسبب ما حصل من انحراف وميل عما حدده الله ورسوله في الحكم، وفي كل جانب من جوانب الحياة، ونحن يا رب قلة مع وجود كثرة في مواجهتنا من أولئك الأعداء والطغاة والمنافقين والمجرمين، وباتت حركة الزمن من خلال حركة الأعداء فيه تقف في وجوهنا، وتعمل على محاصرتنا، والضغط علينا لإسقاطنا، مع ذلك نحن لم نسقط، ولن يصيبنا الوهن، فأعنا على ذلك يا رب "بفتح منك تعجله، وضرٍّ تكشفه، وسلطان حق تظهره، ونصرٍ تعزه، ورحمة منك تجللناها، وعافية منك تلبسناها، برحمتك يا أرحم الراحمين”.
وهذه الفقرة السابقة تلخص لنا شخصية المؤمن الذي لا يتوقف عن القيام بدوره مهما كانت التحديات، ومهما كانت الأخطار.
وهكذا كان دعاء الافتتاح تربية روحية فيما يحمله من معاني القرب والارتباط بالله تعالى، وتربية عقائدية فيما يقدمه من معرفة الله وقوته وعظمته وسيطرته وهيمنته على كل شيء في الوجود، وتربية عملية فيما يقدمه لنا في قضية بناء الدولة، وفي مسؤوليتنا في حمل الحق، وفي واجبنا في القيام بالدعوة، وميما يربطنا بالقيادة، ويعزز لدينا بناء أنفسنا ليكون كل منا قائداً في مجاله، وسباقاً إلى العمل ضمن قدراته.

أترك تعليقاً

التعليقات