لحظة من صراع مرير
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
عادةً ما تسيطر على نفوسنا في هذا الزمن الكثير من التقلبات والتحولات والتناقضات والتبدلات والنزاعات والتجاذبات والاختلافات، أجواء تبعث على القلق والتوتر، ليصبح جهدنا كله منصباً على ترقب وانتظار فاجعةٍ ما، أو مأساةٍ جديدةٍ، أو عاصفةٍ هوجاء، لا هم لها سوى اقتلاعنا من جذورنا، وتدمير كل قلاعنا وحصوننا، ودفن كل ما له علاقة بنا، وطمس كل أثر جميل لحركتنا ووجودنا في الحياة، وليت الأمر كان موقوفاً على طبيعة ما يجري على المستوى العام، بل قد يجد أحدنا نفسه، وبين ليلةٍ وضحاها وجهاً لوجه في صراعٍ مع أمور تهدد وضعيته الشخصية، ووجوده الخاص، وتشن معركة لم تكن في الحسبان عليه، فتقوض استقراره النفسي، والأسري، وتحول ليله ونهاره وصحوه ومنامه إلى كابوس لا يستطيع الفكاك منه، وهو إلى جانب هذا، معرض بين الفينة والأخرى لهجوم جيوش من الوساوس والهواجس والأوهام، لدرجة أن يرى تلك الأضواء التي رافقته طوال رحلة الهدوء والسكينة والطمأنينة والاستقرار بدأت بالخفوت والتلاشي التدريجي، حتى تكاد أن تختفي تماماً، وتتوارى خلف أستار ظلمات الحزن واليأس والهزيمة المعنوية، التي لا حد لآلامها، عندها يشعر بانعدام الوزن، كيف لا، وكل شيء يعطي لحياته معنى بات معرضاً للغياب والضياع؟
وهكذا تبدأ مرحلة من الحياة الرتيبة الجامدة المملة الثقيلة بالحركة في عوالمنا النفسية، إذ بها ستختفي كل الألوان والأشياء والمظاهر والصور الموحية بالحيوية والجمال والتجدد، ويخيم بدلاً عنها الفراغ المحاط بلون السواد، وجثث الأحلام والأماني والمطامح التي ماتت في ريعان شبابها، وكلما حاول هذا المسكين التقاط أنفاسه، وهم بالقيام بترميم ما تهدم من جدران قلبه، نزلت بساحته أخبار تنبئ بحصول مشكلات وكوارث وفيضانات وزلازل جديدة، في محيطه، عندها يعود مهدوداً إلى وضعية العاجز المستسلم، وهو لا يستطيع تمييز وجود رأسه من قدميه، أين يذهب، وكل الأبواب موصدة دونه، والشوارع والطرقات والأزقة والأحياء باتت غريبة مجهولة موحشة في عينه؟
ثم كيف سيتحرك، وهو صار مفتقراً لأدنى مظاهر الإحساس بالطمأنينة، لذلك لن يكون هنالك دافع يحثه على فعل شيء، فمَن يفقد ما يعز عليه فقدانه، سيفقد الدوافع، التي كانت بمثابة المحرك بالنسبة له، ولا شك أن وقود ذلك المحرك هو: الحب لا سواه، الذي متى ما اختفى يختفي معه الإبداع والتفاؤل والإنجاز من صفحة كتاب العمر، ولا سبيل لاستبداله بشيء آخر.
هنالك ينبعث صوتٌ من أعماق الفطرة، ليدله على الطريق، ويحثه على ضرورة العودة إلى ربه، فهو الملاذ والمعين، وفي رحاب قدسه يتنزل على تلك النفس المهدودة غيث مليء بعناصر الأمن، باعث لكل ورود الأمل، التي ذبلت، وفاتح أكثر من نافذة تدعوه للبحث في كيفية الخروج مما هو فيه، وتعينه على إيجاد وسيلة تنجيه من الغم، فيتلاشى الخوف، وكل ما قد صاغه الشيطان، لتقييده، وشل حركته، فبقربه من الله، ابتعد عن كل تلك المنغصات والكوابح، فلا ضياع، مادام الإيمان بالله يشرق على النفس، كل ثانية، ولا انتكاسة تورث القنوط، مادامت السعادة مخزنة بين جوانحنا، تضج بصور ومشاهد الكفاح المرير الذي مضى، وتشد العزيمة لمواجهة ما يحول دون امتلاك النفوس ماهية وجودها وصيرورتها، فلتُغلق كل الأبواب، مادام باب الله مفتوحاً أمامي.

أترك تعليقاً

التعليقات