إنساننا: ذلك المقهور
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
إنّ الإنسانَ أو الفرد العربي المسلم، مقهورٌ في أيامنا هذه أكثر من أيّ زمنٍ مضى بصرف النظر عن الانتماءات والقناعات والخلفيات الفكرية والسياسية الأيديولوجية التي يؤمن بها أو يلتزمها، لأن الأفكار والأخلاق لا تعمل في فضاء اللا حقوق واللا عدالة.. ولهذا هو فاشل وعاطل ومشلول الإرادة وعديم الإنتاج، ومشكلاته العملية الحياتية إلى تزايد وتراكم بلا حلول مجدية حتى تاريخه.. تشوّهتْ معالمه النفسية والسلوكية، وغُرست فيه أسوأ القيم الدونية المبتذلة من حيث شعر أم لم يشعر.. حولوه إلى حقل تجارب.. ليس كمثله مخلوق في العالم، مطلوبٌ منه أن يقدم كل شيء، وهو لا يُعطى -ولم يعطَ- أقلّ أو أبسط شيء، من الكرامة والحقوق..!
إنّ تطبيقَ الحقوق (منحها أو انتزاعها بالقانون) هي مسألة ستعيدُ بناءَ النفس والذّات الفردية على معايير أصالتها الذاتية الفطرية بعدما داخلتها أمراضُ النفس، وشابتها نقائصُ المصالح والدوافع الظلم والتسلط والأنانيات والمطامع الفردية واستغلال الناس لبعضها بعضاً.. ومن خلال هذه الحقوق الفردية يمكنُ أيضاً إحداث صدمة التغيير المطلوبة للبدء بالسير على طريق النهضة والتقدم المنشود.. لأن إحساسَ الفرد بوجوده وتقدير كرامته وتلبية حاجاته يعطيه الدافع والمحرض للتحرك الفاعل والحثيث وصولاً لتمثُّلِ حركةِ القيم الأخلاقية في واقعه الذاتي والموضوعي.
ولا نبالغ إذا قلنا: إن سلسلة الانهيارات السياسية التي شهدها الكيان العربي والإسلامي وعدد الإخفاقات الكبيرة التي هدّت اجتماعه السياسي عبر تاريخ طويل، مؤشّر واضح على وجود تداع في المفاهيم النظرية،‏ وتهافت في الخطاب السياسي. سيما وأن الإخفاق تمَّ في اللحظة التي التحق فيها صاحب الدعوة بالرفيق الأعلى. أعني أن معايير الانتخاب والتصور السائد -الغالب- الذي يمكن استخلاصه من عموم الشعارات والمحاججات التي شهدتها سقيفة بني ساعدة، توضح بما فيه الكفاية انزياحاً ‏فاضحاً إلى خيار الدولة العصبانية بحسب المنظور الخلدوني. وهو الإخفاق الذي قضى على كل الامتيازات التي حاز عليها مفهوم الدولة -الأمة بمضمونها الأيديولوجي والحضاري، كما تجسد بشكل ملفت للنظر في الدولة النبوية النموذجية.
إذن، نحن أمام أطاريح، بمقدار ما تبالغ في معصومية خيارها التاريخي، تحاول إسقاط أزمتها على ما ينافسها أو يخالفها من الخيارات الأخرى. وهي بعد كل ذلك تقف عاجزة عن إجراء القراءة الصحيحة والفعالة لمشكلتها. وذلك بتقريب تاريخي يفصل النص عن التصريف التاريخي له، ويجعل السلطة للنص، لا للممارسة التاريخية المدخولة بكثير من العناصر التحريفية.
إن المسألة الجوهرية في ذلك النزاع الذي قادته تلك الأطاريح حول موضوع الحكم والنظام السياسي وتحديداً ما بين الاتجاه الإسلامي وبين الخيار العلماني، ‏تتجلّى في مفارقة فلسفية، تتصل بأصل التشريع، ومصدر تثبيت السلطات. ففيما تنزع الأطاريح العلمانية إلى جعل العقد الحر أساساً لتوطيد السلطات ورسم العلاقة بين الحاكم والمحكوم على أساس الانتخاب، والاجتهاد في القوانين طبقاً لمصلحة المجموع -‏هذا في أفضل حالات العلمانية إذا ما نزعت نزوعاً ديمقراطياً وليس عسكرياً- تجد الأطاريح الإسلامية السائدة، تتحدث عن جاهزية مطلقة في الشرائع، وتنزيل محكم للقوانين،‏ ومرجعية متعالية في تحديد النظام. فالسلطة في الأولى للشعب، وفي الثانية هي لله، في الأولى هي للمصلحة وفي الأخرى هي للمطلق. ومع أن الأساس الفلسفي الذي تقوم عليه سلطة الشعب غارق في العمومية، إلا أنه شهد تطوراً ‏ملحوظاً، جعل مفهوم حكومة الشعب، تشهد تصوراً ‏براغماتياً ومؤسسياً أكثر دقة بالقياس مع أصل الأطروحة. وذلك لأنه أتيح له أن يأخذ حظه في النمو ضمن إدارة فعّالة وممارسة مؤسسية، الأمر الذي لم يُتح للأطاريح الإسلامية، إذا ما توخينا التقييم الموضوعي.

أترك تعليقاً

التعليقات