قصتنا كمسلمين مع الحق
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
خصص الله سبحانه وتعالى، في كتابه العزيز مساحةً كبيرةً للحديث عن الأمراض التي أُصيبت بها المجتمعات الرسالية عبر العصور، كمرض النفاق والرياء، والانقلاب على الأعقاب، استجابةً لهوى النفس، ونزولاً عند ما تقرره الرغبة المستسلمة لنداء الشهوة، والمندفعة بدافع الغريزة، بعد أن تبين لها الصحيح من الفاسد والخطأ من الصواب، وبعد أن أدركت الفرق بين طريق الهداية وطريق الضلال، وعرفت سمات وخصائص ومميزات كلٍ من حزب الله وحزب الشيطان، ولكنها وعلى الرغم من ذلك وقعت في المحظور، فتحولت كل النعم التي أنعم بها اللهُ إلى نقم، نتيجة ما صدر عنها من ممارسات وأفعال دلت على الاستهتار بالنعمة، والتنكر للمنعم، والتمادي في مخالفة أوامره، والتعدي على الحدود التي رسمها لهم، ومع أن القرآن الكريم عندما يحدثنا عن فئة من الفئات البشرية كان لها دور في زعزعة وتحطيم قواعد أي مجتمع من المجتمعات الرسالية، سواءً من خلال الأنشطة المطبوعة بطابع النفاق، أم من خلال الأنشطة القائمة على المكر والخداع والتلبيس على البسطاء، من إيمانٍ ببعض الكتاب وكفرٍ ببعضه الآخر، أو تلاعبٍ بالتعاليم الدينية، كأنْ تقوم فئة في مجتمع ما بتطبيق ما يتناسب مع وضعيتها النفسية ويتفق مع استعداداتها وقابلياتها الروحية والفكرية، ويضفي على ما تقوم به من أعمال، وتتبعه من أساليب المشروعية الدينية، دون أن تسعى للارتقاء إلى المستوى الذي تستطيع من خلاله تجسيد مبدأ الكمال لهذا الدين، إلا أننا كمسلمين اعتبرنا كل حديثٍ تضمنه القرآن عن تلك الفئات أو الشخصيات مجرد حديث عن أمم قد مضت لملاقاة مصيرها، غير مدركين أن حديث القرآن عن بني إسرائيل، أو عن المنافقين، أو عن الملأ في أي حقبة زمنية من حقب التاريخ الرسالي، هو: حديثٌ عن ظواهر وأشياء ستبقى حاضرة وموجودة مادام هناك إنسان على ظهر هذه الدنيا، ومادامت هنالك صراعات وحركة لكلا الفريقين وكلتا الجبهتين، الحق والباطل، حزب الله وحزب الشيطان.
ولن نجانب الصواب أو نحيد عن الحقيقة إذا قلنا: إن هجر الأمة الإسلامية للقرآن كان منذ وقت مبكر، ولربما كانت البداية مع دخول المسلمين العقد الثاني من زمن هجرة رسول الله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، والذي ما إنْ حان موعد التحاقه بالرفيق الأعلى، حتى حلت الأحاديث التي يدعي رواتها صدورها عنه صلى الله عليه وآله محل الآيات المحكمات، فتُحرم الزهراء من ميراثها بحجة أن النبي لا يرث! ويصبح مَن وصفهم القرآن بأن: «أكثرهم لا يؤمنون» «وأكثرهم للحق كارهون» والذين استحبوا الكفر على الإيمان، هم الولاة للأمصار، والقادة للجند، والمعنيين بالدين، والممثلين للرسول والرسالة، وهكذا استمر الحال، حتى اعتاد المسلمون النزول على حكم البشر مع علمهم بمخالفته لحكم الله الذي ظل مستقراً في الذهنية، ولكن لا يمتلكون الإرادة على جعل الواقع الخارجي من حياتهم مطابقا لما يحملونه من معتقدات ومفاهيم وتصورات عن هذا الدين الذي يحملون، وذلك إما خوفاً مما قد يعرض لهم من نقمة وغضب من قبل الأكثرية، التي حوت ألفين من الطلقاء، وأكثر من قبيلة ارتبط مصيرها بقريش منذ الجاهلية، إضافةً إلى مَن استيقظت فيهم نزعة العصبية للقبيلة والعرق، على الرغم من سابقتهم في الإسلام والهجرة والجهاد تحت راية النبي، أو طمعاً ببعض ما في يد أولئك.
ولاتزال قصتنا مع الحق في أكثر من ساحة وميدان أسيرةً لنوازع الخوف والطمع، لجهلنا بما جناه هذان العاملان على الإسلام والمسلمين على امتداد التاريخ.

أترك تعليقاً

التعليقات