ورد ومورد «الحلقة الخامسة»
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
يستمر تحرق المشتاقين ويتصاعد نداء المحبين وهم يمسكون بحبل الرجاء، بذوات ترتدي الخشوع، ونفوس تألف الخضوع لمن خضع الوجود بعامته، وجوارح تنقاد للعظيم الكريم الذي ينقاد كل شيء لمشيئته، والذي لا ثبات لإرادة مريد إلا بما تقتضيه إرادته جل وعلا، بحيث ترى الأرض وقد صارت مسجداً ضم بين جنباته المؤمنين الذين يتطلعون لمواقع القرب من الله بقلوب انفتحت على الخير كله، لتتكامل في دواخلهم العناصر المكونة لشخصيتهم الإنسانية، وتعبر عن كمال شخصيتهم الإيمانية.
هذا ما تنقله لنا هذه الفقرة الواردة ضمن ما نستقبله من حديث مثل خلاصة تطواف مشاعرنا، وتجوال مهجنا، وتحليق قلوبنا، وانجذاب أرواحنا لحدائق هذا الدعاء الغناء وبساتينه الوارفة وجنانه المثمرة، إذ يجد المتأمل نفسه أمام حقيقة في مشاهدة حية لكل الذين عرفوا الله حق معرفته وعبدوه حق عبادته ونالوا الفضل والبر منه وشملهم برحمته، ومنحهم عفوه وأعطاهم جنته، فيبادر الواحد منا بعد ذلك بلسان مقال إنابة زين العابدين الإمام علي بن الحسين عليهما السلام والرحمة والرضوان، الذي قال: "اللهم إني أسألك بحق هذا الشهر وبحق كل من تعبد لك فيه من ابتدائه إلى وقت فنائه من ملكٍ قربته أو نبيٍّ أرسلته أو عبدٍ صالحٍ اختصصته، أن تصلي على محمدٍ وعلى آله، وأنلنا ما وعدت أن تنيل فيه أولياءك من كرامتك، وأوجبْ لنا فيه ما أوجبت لأهل المبالغة في طاعتك، واجعلنا في نضم مَن استحق الرفيع الأعلى برحمتك”.
إنه النداء الإيماني الصادق يخضع فيه صاحبه ويبتهل ويرقى ويرتفع بكل هذا النداء الإلهي المنبعث من أعماق روحه والمنساب من كل حناياه والشامل لكل وجدانه بتوسل إلى الله سبحانه بحق هذا الشهر وبحق كل من يتعبد له عز جاهه فيه من الملائكة والأنبياء والصالحين أن يعطيه الله ما أعطى أولياءه الذين أعطوا كل حياتهم وكل ما لديهم في سبيله ومن أجله فاستحقوا كرامته التي تشمل كل معاني الرحمة والرضوان والثواب والعفو والإحسان، وأن يختصه بما اختص به أولئك الذين بلغوا من مستوى طاعتهم لله حداً جعل الذين جاؤوا بعدهم ولم يقدروا على اللحاق بهم والبلوغ مبلغهم، يعدون ذلك مبالغة منهم، وليست بالمبالغة بل هي درجة بلوغ الكمال بحيث وصلوا في مستوى وعيهم بالله وقربهم منه المستوى الذي عبر عنه سيد الوصيين وإمام المتقين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، إذ يقول: "ما رأيت شيئاً إلا ووجدت الله فيه أو معه”.
ثم يستمر سلسل الخشوع العذب بالطلب من الله أن يجعله ضمن من استحقوا الدرجات الرفيعة فيما يترتب عليه الجزاء من الله لهم، وعلى الرغم مما عملوا وقدموا وبذلوا وجاهدوا وصبروا وتحملوا وثبتوا وصلوا وصاموا وحجوا وأنفقوا فإنهم لن يصلوا إلى الرفيع الأعلى إلا برحمة الله وفيوض لطفه ومقامات عفوه وسعة رحمته التي وسعت كل شيء فكيف بنا وقد قصرت بنا أقدامنا عن القيام بالطاعات، وأقعدنا جهلنا عن تقديم القربات، وغرنا طول الأمل فلم نسارع بالخيرات؟! لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

أترك تعليقاً

التعليقات