التدين المغشوش
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
قبل أن تشيد بتعميمات وتوجيهات جهات ومؤسسات الدولة من القضاء إلى الثقافة، وتعتقد أن ذلك ما جاء إلا حفاظاً على الهوية، وتعبيراً عن مدى التزام المصدرين لهكذا تعميمات وموجهات بدين الله؛ قف وراجع نفسك، فلربما هو التدين المشوب بظاهرة النفاق.
نعم عزيزي القارئ، لأن النفاق لا يمارس خارج التّديّن بل يستجدي منه صوره ومقولاته.
ولا يمكن فضح رجاله بسهولة، لأنهم هنا يمارسون النفاق الذي يؤدّي معنى الطّفيلية الدّينية. وتكمن ها هنا الخطورة، وذلك أنّه لا يأتيك عارياً من التّديّن بل يجعلك تظهر أمام تمثّله المغشوش ذاك على شكّ من تديّنك إن كنت من أهل الدّين.
وعليه يمكن استنتاج قاعدة من كل ما سبق، وهي: أن التدّين والنفاق من حيث الصورة والتعبير لا ينفكّان. فالنفاق إن تعرّى من لغة الدين ومظاهره افتضح أمره.
لا يتمظهر النّفاق خارج الدّين، بل هو ينبت داخل التّديّن مثل الطفيليات. ليس للمنافق مظهر خاص به، لكنه يرعى كالفيروس على التّديّن فيستعير من الدين مظاهره ورموزه.
جاء الدّين ليحارب مظاهر الفساد والجريمة في الاعتقاد والاجتماع، ووضع موازين وأصولاً لعلاج الاختلال الروحي والنفسي والاجتماعي والحضاري. لكنّه فضح لعبة النّفاق دون أن يضع وسائل لمواجهته سوى الحيلة والنباهة والحيطة.
ومع أنّ الدّين نبّه لمعضلة النّفاق ووجه النّظر إلى أنّ أهل النفاق مخبوئين وراء فلتات ألسنتهم، وجعل سيماء المؤمنين غير سيماء المنافقين حيث يعرفون في لحن القول، إلَّا أنّه ظلّ متّهماً كما لو أنّ الدين هو المسؤول عن النّفاق وليس الإنسان.
إن النفاق يجري في الجسد الاجتماعي كما يجري الشيطان في عروق الأفراد. فالمنافقون هم شياطين المجتمع. ومع ذلك لا بدّ للمجتمع من فضيحة تتوقّف على صلاح الجماعة وحذرها من عدوها، ألا وهو النّفاق.
فليس حول المدينة النبوية وحدها وجد منافقون كثير بل حول كل مدينة ستجد منهم نصيباً يزيد أو يكثر. وخصوصاً حينما يطغى الفساد ويعلن عن نفسه يتحوّل النّفاق إلى كفر بواح ويخرج من وراء حجابه.
التّديّن الصحيح يفضح النفاق. وحينما تسود سيماء الإيمان تنفضح سيماء المنافقين.
هنا لا مجال للبحث عن دين لا يحيط به نفاق. فالنفاق يلازم الدين ويتربّص به.
إن النفاق ينتصر متى صدّق الأغبياء أنّ الدّين يصنع المنافقين، بل الحقيقة أنه يقمعهم، ولاسيما إذا ما كانوا يحتلّون مواقع متقدّمة في التّمظهر الدّيني. فالنفاق ليس حقيقة نابعة من روح الدّين بل هي حقيقة سوسيو-دينية.
وحيث كان الإنسان ولازال في عالم الإمكان يملك أن يكون إنساناً متى شاء أو كالأنعام متى شاء، كان يملك لغةً وصوراً ما بالقوة. فبقدر ما يملك الإنسان أن يتمثّل لغة الأنعام وهو في طور إنسانيته، يملك أن يتمثّل صور مقامات الكمّل من أهل الدّين وإن لم يكن من أهلها. فهذا يتيحه وضعه في الإمكان وأنّه إنسان بالقوة. فالحركة التكاملية للنفس الإنسانية لا مستقرّ لها في هذا التخارج المتردّد بين مقام الإنسانية ومقام الحيوانية. ففي المجتمع الإنساني تتعايش الجريمة المرفوضة اجتماعيًّا مع الفضيلة بفضل لعبة الإخفاء والتدليس والنّفاق.
إن خراب المجتمع يبدأ من تجذّر النفاق ورسوخه والتّستّر عليه وتمكينه من أهل الفضيلة عبر التغلغل في مؤسسات صناعة ورعاية أمور الدّين والدّنيا.
والخلاصة: يجب كشف المنافقين وفضحهم، فالنفاق هو أساس خراب العمران.

أترك تعليقاً

التعليقات