متى تكتمل رسالة الدم والبارود؟
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
خلف دخان الضجيج الفارغ، وأبخرة الكلمات المنطلقة في فضاء الإعلام، من أقلام مهزوزة، وألسنة مليئة بالعقد، وأفكار موحية بالتصحر الذهني، والجفاف الروحي لمَن صدرت عنهم؛ نزوعٌ ثوريٌ نحو ضرورة تبديد كل هذه المظاهر الحاجبة للرؤية الثاقبة، والفكر الشامل المبدع الخلاق، والحركة الفاعلة بإيجابية في مختلف ميادين العمل، لاسيما ونحن خارجون للتو من جولة من جولات الصراع مع (الكيان الصهيوني اللقيط) و(أميركا الشيطان الأكبر) وكل منظومة الشر والهيمنة الاستكبارية بأصيلها ووكيلها، ورأسها وأذنابها وأحذيتها غرباً وشرقاً، وكنا مع ثلة من الأحرار في سفينة الطوفان، نقود معركة (الفتح الموعود والجهاد المقدس) وخرجنا معاً إلى جزيرة تحيط بها التهديدات من كل الجهات، الأمر الذي يجعلنا نتيقن: أنها مجرد استراحة، تسترد بها الأنفاس، وتستعاد الطاقات لاستئناف رحلة الصراع حتى بلوغ شط النصر والتحرير.
إننا كمحور مقاوم من صنعاء إلى بغداد، ومن غزة إلى طهران؛ مطالبون بالكثير الكثير من البذل للجهد من أجل البناء لمؤسسات فكرية وأدبية وإعلامية واجتماعية قوية وقادرة، تكون بمستوى القوات المسلحة وأجهزة الأمن والاستخبارات، لأن المبادئ الحقة، والقيم الفضلى، والثوابت والمسلمات الدينية والإنسانية والوطنية لا يكفي لتجذيرها، وتعزيز بقائها ونموها واستمراريتها بذل الدم والبارود؛ بل لا بد للمداد أن يكون حاضراً مع كل قطرة دم وعرق، كي يترجمهما، ويحفظ آثارهما من المحو، أو النسيان، فالدم الذي لا يوجد له حملة حقيقيون يختفي ويتبخر، وبالتالي تصبح التضحية بلا جدوى، وإن بقي شيء من ذكر لأصحابها فهو مجرد وميض باهت لا يقوى على استنساخ روحية المضحين الشهداء في وجدان الجيل الحاضر، ناهيك عن أجيال المستقبل! ولأن الصاروخ الذي يطلق، والمسيرة التي تجوب الآفاق، فيخترقان معاً كل الحواجز، ليصلا إلى أهدافهما، بحاجة ملحة لإيجاد ما يوازيهما في ساحة الفكر، وميدان الكلمة، فهدف السلاح لا يكتمل إلا حين يتم تحويله من سلاح مادي بحت، إلى وسيلة لاتخاذ آثاره مداخل لإنتاج السلاح الأهم: (السلاح المعنوي) الذي يقول: إن النصر الحقيقي لا يتم إلا حين يتم تصنيع أقلام (فرط صوتية) وخلق ألسن ذات منطق (عابر للقارات) والمذاهب والملل والجغرافيا، بهذا يكتمل النصر، ويصبح كل شيء نورا على نور.
نعم؛ ليس كل (محور المقاومة) بمستوى واحد، فثمة مَن تقدم بخطوات في ميدان امتلاك ترسانة (السلاح المعنوي) كالجمهورية الإسلامية، وحزب الله، وثمة متأخرون جداً عن اللحاق بهذين النموذجين، خصوصاً نحن (يمن الأنصار) إذ نعتقد أن الحملات الموسمية في شبكات التواصل تغني عن الأدب والقصة والمسرح والسينما، وأن الإكثار من القنوات التلفزية، والمحطات الإذاعية والصحف التي تسير جميعها برتب واحد، وتتحد رسالتها شكلاً ومضموناً، وتقوم بتقديم مواد وبرامج معينة لأشخاص معينين، هو: السبيل الوحيد للحفاظ على الدين والهوية والمكتسبات الثورية الجهادية، كل ذلك بسبب السطوة الكبيرة للنظرة الفقهية الجامدة التي لم تستفق بعد على الواقع، ولم تدخل إلى العصر بأدواته، فحرمت الواقع من النظرة القرآنية، التي جاءت باسمها، فلما تمكنت حجبتها وانقلبت عليها بكل ما للكلمة من معنى.
إن الثقافة القرآنية التي قام عليها يمن الحادي والعشرين من أيلول؛ هي ثقافةُ حياة عزيزة وكريمة؛ لأنها تبني نفوس أصحابها بناءً شاملاً؛ بناءً ليس فيه مكان للإيمان الناقص، والتدين المغشوش؛ بناءً قواعده الراسخةُ في أعماق الوجود والوجدان الحر، الحافظةُ له من الاهتزاز أو التشقق فالانهيار؛ قائمةٌ على الحق والعدل والصدق والأمانة والإحسان والرحمة والتعاون والإيثار والمحبة والتواضع وكظم الغيظ والعفو عند المقدرة، والقرب من الناس، وحمل همومهم وأحزانهم، والعمل على تعزيز قوتهم ووحدتهم وتآلف قلوبهم، فلا ألم يشعر به بعض هؤلاء الناس إلا وتألم لألمهم الجميع؛ نتيجة شدة التلاحم الذي يجعل من الأجساد المتفرقة والمتباعدة والمختلفة والمتعددة في الأعراق والأنساب والمناطق الجغرافية والمذاهب الدينية جسداً واحداً، ليس فيه مكان للراعي، ومكان للرعية، ولا يقبل العلو من رئيس على مرؤوس، أو طغيان مهاجر على أنصاري، أو غني على فقير، أو صاحب نفوذ وسطوة وسلطة وجاه على مواطن مسكين لا حول له ولا قوة، ولا يملك وسيلة للدفاع عن حقه، وصون كرامته، وتأمين ما يتطلبه أمر حماية نفسه من الذل والانسحاق أمام الظالمين والمنحرفين المتجبرين، الفراعنة، الذين يخونون الله في عباده وبلاده.
هذه هي الثقافة القرآنية؛ هذا هو مشروع المسيرة؛ هذا هو المشروع الذي أسسه وبثه في الأجساد المستضعفة شهيد القرآن، الشهيد القائد (ر) وحفظه وحمل رايته سيد الثورة يحفظه الله، فكان روحاً في تلك الأجساد، وكياناً قام عليه وجودهم، وأصلاً انبنت عليه حركتهم؛ الحركة الجهادية المقاومة، الرافضة لكل ما يبيح العرض والأرض والنفس للمستكبرين الكبار والصغار، والساعية لإيجاد أمة قائمة بالقسط، فارضةً للعدل، ناصرةً للحق، مدافعة عن كل مظلوم، تقول بالمعروف، ولا تتقبل المنكر.
نعم؛ هي كل هذا وأكثر والذي فلق الصبح، شهادةً أُسأل عليها يوم الحشر، بين يدي الله. فإن وجدتم الواقع العملي يقول غير ذلك فاعلموا: أن الخلل في الحملة والأتباع، لا في الثقافة والمشروع.
لذلك قلنا بالأمس: إن الثقافة الفقهية التي وجدت نفسها خارج الزمن، وخارج المكان، فلا حاضر يسندها، ولا ماضي يشهد على عظيم أثرها؛ هي التي ادعت انتماءها لهذا المشروع، فلما تم لها الأمر باسمه؛ حافظت على قشوره، وقتلت مفاهيمه، وغيرت وبدلت في أفكاره ورؤاه.
ولكي نكون منصفين؛ فلم يكن للثقافة الفقهية فعل كل هذا، لولا وجود الجهلة، الخوارج، الذين يكفرون بالظن، ويقصون ويهمشون كل مجاهد حر، يتحرك وهو ذو خلق وبصيرة ودين، ويزن كل شيء بميزان الحق، ويحسب حساب وعد الله ووعيده، غايته رضا الله، وحركته مبنيةٌ على التقوى.
تخيلوا؛ لو أتيح لهذا المشروع الوصول لكل واقعنا: كيف كانت النتيجة ستظهر اليوم؟
قوة في الخارج، وتكامل ونمو وتلاحم في الداخل؛ شدة على العدو، ورحمة ولين على الشعب المناصر، والمجتمع الذي متى ما كسبناه؛ ضمنا لأنفسنا النصر الدائم، والعزة الأبدية.
لأن بجمهورك بشعبك، أيها الحامل للواء المقاومة والجهاد تكتمل رسالة الدم والبارود، فعد إلى المشروع، لتكون القلب في الشعب، فيصبح يدك وعينك ولسانك.

أترك تعليقاً

التعليقات