بونابرت، ونبتة صهيون الخبيثة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
قام الاستكبار لكي يضمن سيطرته على منطقتنا العربية الغنية بالثروات، الممتدة من النيل حتى الفرات، باصطناع كذبة دينية إنجيلية توراتية اسمها وطن اليهود وحقهم التاريخي في أرض كنعان.
وكان أول من التفت إلى هذه الفكرة نابليون بونابرت حيث يقول المفكر محمد حسنين هيكل في كتابه (المفاوضات السرّية بين العرب وإسرائيل): «إن بذور المقدّسات: المحرّمات العربية تجاه الصهيونية وإسرائيل تعود في بداياتها وأصولها إلى القرن التاسع عشر».
ثم لفت هيكل إلى أن «طوال القرن التاسع عشر كان العالم مشغولاً بأربع قضايا: ظاهرة الوطنية، وظاهرة التسابق إلى المستعمرات والتنافس عليها بين القوى الأوروبية، والمسألة الشرقية أي التربّص بإرث الخلافة العثمانية، والمسألة اليهودية، فقد كان اليهود هدف عداء استفحل خصوصاً حول تواجد كثافة الوجود اليهودي في شرق أوروبا وروسيا ووقتها كان 90 بالمائة منهم يعيشون على تخوم ما بين روسيا وبولندا».
واستطاع نابليون حسب هيكل  الربط والتوليف بين المسائل الأربع، وقد التقط في البداية آخرها وهي المسألة اليهودية.
وكانت حملة نابليون على مصر التي سميت حملة النيل كما يرى هيكل تستهدف هدفين:
«احتلال مصر كبداية لعملية إرث الخلافة، والزحف منها إلى فلسطين والشام». فنابليون لم يكن ينظر إلى مصر وحدها وإنما كان يراها في اتصال غير قابل للانفصال مع السهل السوري الذي يشكّل معها حجر زاوية قائمة تحيط بالشاطئ الشرقي الجنوبي للبحر المتوسّط، وهذه الزاوية القائمة بضلعها الجنوبي في مصر تمدّ تأثيرها بالعرض إلى كل الساحل الشمالي لأفريقيا وبالطول إلى الجنوب حتى منابع النيل، ثم إنها بضلعها الشمالي في سوريا تلامس حدود بلاد ما بين النهرين وشبه الجزيرة العربية والخليج وحتى طرق الاقتراب البري والبحري إلى فارس والهند.
واختياره لتلك المنطقة يعود لذكرياته التاريخية في الحرب الصليبية الإسلامية، وما شكلته هذه المنطقة الجنوبية سواء من خطر خارجي أو من الإسلام والعروبة في مصر وسوريا -ضلعي الزاوية- اللذين سبق لهما خلال الحروب الصليبية أن صنعا قوة ذاتية تتشجّع على الانفلات من قبضته.
وهو ما يتطلب زراعة كيان لا عروبي ولا إسلامي تابع لفرنسا، وفي ذات الوقت مناهض للعروبة والإسلام، فيفصل ثقل القوة عن بعضه ليصبح بونابارت أكثر قدرة على التحكم والهيمنة وتطويع المنطقة لإمبراطوريته الحالمة.
لذلك وظف نابليون لهذا الهدف الخطاب الديني في ورقته اليهودية التي وزعت على كل اليهود كنداء منه إليهم حيث قال: “من نابليون بونابرت القائد الأعلى للقوات المسلّحة للجمهورية الفرنسية في أفريقيا وآسيا إلى ورثة منطقة فلسطين الشرعيين.
أيها «الإسرائيليون»، أيها الشعب الفريد، الذي لم تستطع قوى الاحتلال والطغيان أن تسلبه اسمه ووجوده القومي، وإن كانت قد سلبته أرض الأجداد فقط.
إن مراقبي مصائر الشعوب الواعين المحايدين -وإن لم تكن لهم مقدرة الأنبياء مثل إشعياء ويوئيل- قد أدركوا ما تنبّأ به هؤلاء بإيمانهم الرفيع أن عبيد الله (كلمة إسرائيل في اللغة العبرية تعني أسير الله أو عبدالله) سيعودون إلى صهيون وهم ينشدون، وسوف تعمّهم السعادة حين يستعيدون مملكتهم  من دون خوف.
انهضوا بقوة أيها المشرّدون في التيه. إن أمامكم حربًا مهولة يخوضها شعبكم بعد أن اعتبر أعداؤه أن أرضه التي ورثها عن الأجداد غنيمة تقسّم بينهم حسب أهوائهم.. لا بدّ من نسيان ذلك العار الذي أوقعكم تحت نير العبودية، وذلك الخزي الذي شلّ إرادتكم لألفي سنة. إن الظروف لم تكن تسمح بإعلان مطالبكم أو التعبير عنها، بل إن هذه الظروف أرغمتكم بالقسْر على التخلّي عن حقكم، ولهذا فإن فرنسا تقدّم لكم يدها الآن حاملة إرث إسرائيل، وهي تفعل ذلك في هذا الوقت بالذات، وبالرغم من شواهد اليأس والعجز.
إن الجيش الذي أرسلتني العناية الإلهية به، ويمشي بالنصر أمامه وبالعدل من ورائه، قد اختار يروشلايم مقرًّا لقيادته، وخلال بضعة أيام سينتقل إلى دمشق المجاورة التي استهانت طويلًا بمدينة داوود ملك إسرائيل وأذلّتها.
يا ورثة فلسطين الشرعيين..
إن الأمّة الفرنسية التي لا تتاجر بالرجال والأوطان كما فعل غيرها، تدعوكم إلى إرثكم بضمانها وتأييدها ضد كل الدخلاء.
انهضوا وأظهروا أن قوة الطغاة القاهرة لم تخمد شجاعة أحفاد هؤلاء الأبطال الذين كان تحالفهم الأخوي شرفًا لإسبرطة وروما، وأن معاملة العبيد التي طالت ألفي سنة لم تفلح في قتل هذه الشجاعة.
سارعوا، إن هذه هي اللحظة المناسبة -التي قد لا تتكرّر لآلاف السنين- للمطالبة باستعادة حقوقكم ومكانتكم بين شعوب العالم، تلك الحقوق التي سلبت منكم لآلاف السنين وهي وجودكم السياسي كأمّة بين الأمم، وحقكم الطبيعي المُطلق في عبادة إلهكم يهواه، طبقًا لعقيدتكم، وافعلوا ذلك في العلن وافعلوه إلى الأبد”.

أترك تعليقاً

التعليقات