مَن المسؤول؟
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
في خطابنا الإعلامي والفكري والثقافي ثمة أشياءٌ لا حصر لها تبعث على الاشمئزاز لدى السامع، نتيجة تكرارها المستمر بذات الأسلوب الممل والتزامها الطرق الرتيبة نفسها في كل وقتٍ وحين، من دون أن يكلف المعنيون أنفسهم بذل أدنى جهد يذكرُ بهدف البحث عن الوسائل التي تساعد على تنوع الطرح بأساليب جديدة ومبتكرة، وجذابة، وطرق متنوعة ومختلفة تصل بالسامع أو المشاهد أو القارئ إلى مرحلة الوعي التام بالفكرة، والقناعة الراسخة التي لا تهتز إزاء عواصف الشبهات والدعايات التي يثيرها العدو بين الفينة والأخرى، لكي تعمل على تجريف كل العوامل المؤدية إلى خلق شخصية اجتماعية متوازنة وثابتة في السير نحو تحقيق التغيير الشامل لواقعها، وإحداث التحول الكبير في مستوى فهمها للحياة والناس والأحداث من حولها، وما الذي يجب فعله تجاه كل ذلك بناءً على ما لديها من أهداف وغايات حددها النهج الذي تلتزمه في سائر شؤونها، وجميع مواقفها وعلاقاتها، ولكننا بقصد أو بدون قصد بتنا نهيئ للعدوان الأرضية التي يبني عليها خططه الشيطانية، ونمهد له السبل التي تضمن له الوصول إلى مبتغاه بيسر وسهولة، وذلك لا لأننا لا نمتلك المنهج القادر على إثرائنا بكل ما تتطلبه مراحل حركتنا في ميادين الصمود والمواجهة والتصدي لذلك العدو، ولا نتيجة قلة التجارب الإنسانية التي تتطابق مع وضعيتنا بشكل أو بآخر، ولا نظراً لانعدام الخبرات والعقول والقدرات الإعلامية والفنية والثقافية، وإنما لأننا وضعنا كل ما تقدم من نهج وتجارب وخبرات بيد مَن لا يدركون أهميتها، ولا يحسنون التخطيط لتفعيلها، ولا يجيدون حتى توظيف ما أمكن منها بالشكل المطلوب.
إننا لا نقول ذلك جزافاً من دون دليل، كما لا نهدف من وراء ما نثيره بهذا الخصوص للنيل من أحد، كل ما نريده هو: لفت انتباه المعنيين إلى ما نراه ونسمعه ونعايشه من هدر للطاقات والجهود، وتضييع للأوقات في ما لا طائل منه، إذ ما معنى حصرنا لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي هي علامة للإيمان ومسؤولية اجتماعية يتحملها كل العلماء والمفكرين والواعين لإصلاح واقع المجتمع، وتغيير حاله من السلب إلى الإيجاب فقط في حجاب المرأة وزيها وزينتها؟ وعلاقة ذلك بالحرب الناعمة والفساد الأخلاقي، نعم لا بد من صون القيم، والحفاظ على طهارة النفوس وعفتها، ولكن في حدود الإسلام، وعلى ضوء القرآن، وليس وفق ما جرت عليه العادة المنغلقة والأفكار المتطرفة، التي عادت إلى الواجهة اليوم باسم المسيرة القرآنية لتحرم آلاف الموظفات في الدوائر الحكومية من وظائفهن تحت حجج لا يقرها دين، ولا يقبل بها خلق إنساني سوي، ثم هل بات مجتمعنا خالياً من الأمراض الأخرى كالغش في المعاملات والتعليم، وتطفيف الكيل والميزان، والاحتكار للقوت الضروري، وارتفاع الأسعار، وأخذ الرشوة، وأكل أموال الناس بالباطل، وممارسة الربا، وغياب العدالة، وانتشار ظلم الظالمين، وسلب الناس المستضعفين لحقوقهم من قبل مستكبرين ونافذين، ووجود الفساد في المؤسسات والوزارات والهيئات والمكاتب والبر والبحر، والتساهل في خيانة الأمانة، بحيث لم يعد أمامنا سوى الحرب الناعمة لا غير؟
أليس من الواجب علينا التزام ما نحمله من ثقافة باسم الإسلام وأن نحررها من كل ما علق بها من شوائب كان مصدرها هو المزاج الذاتي لا أكثر؟ أليست المرحلة التي نعيشها هي مرحلة يترتب عليها حياتنا أو موتنا من خلال ما سيترتب على كل عمل نعمله من آثار ونتائج؟ وإذن، لماذا الاسترخاء ونحن بحاجة للمزيد من العمل؟ لماذا التحجيم لرسالتنا في الحياة وهي تستهدف إصلاح الإنسان وحياته كلها في روحها ومضامينها وقيمها؟ لماذا نسمع البعض من المحسوبين علينا في أكثر من قناة يقولون: إننا لا هدف لنا سوى حماية بلادنا، ولا دخل لنا من قريب ولا من بعيد بفلسطين وكل أحرار الأمة؟ مَن المسؤول عن تفشي مثل هكذا خطاب انزوائي تحجيمي منغلق مقيت مخالف لنهجنا ومشروعنا وعقيدتنا؟

أترك تعليقاً

التعليقات