غاية ما يريد طالوتنا
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
حرص سيد الثورة، وطالوت العصر، على أن يضع بين أيدينا كل ما من شأنه أن يجنبنا الهزيمة النكراء، إزاء خوضنا معارك جديدة ومختلفة تمام الاختلاف عن كل المعارك التي خضنا غمارها، ونلنا فيها النصر بفضل الله، معاركنا الجديدة هذه ليست مع الاستكبار أو أوليائه، والتي وإن حصلت مجدداً، فإن قضية النصر أو الهزيمة فيها متوقفةٌ على النتيجة التي ستسفر عنها مجريات وجولات الصراع مع العدو الأكثر خطراً والأشد ضرراً علينا -فيما لو تمكن- من كل طواغيت وبغاة ومجرمي العالم قاطبةً، إنه العدو الكامن بين جوانحنا، المتظاهر بعدة وجوه تلوح لنا من بعيد بشكل رغبة أو غريزة أو أمنية أو ميل، فنندفع باتجاهه بكل حماس، وننسى كل شيء، ولكي نصل إليه ندين بدين الهوى، ونتسلح بالكبر، ونلبس الضلالة، ونستظل بظل الغفلة، ونتعامى عن الحق والحقيقة، ونمتطي الغرور والكبر، ونركن إلى ما بأيدينا، ونعيش لأنفسنا، ضاربين صفحاً عن الأعداء المختفين تحت جلابيبها، الساعين لاتخاذنا مركباً إلى حيث يتم القضاء علينا، ومحو وجودنا، وإذن هي: معارك بدواخلنا، نحن فيها منقسمون إلى فريقين، ولكل واحدٍ منا شخصيتان، وكل شخصية من هاتين الشخصيتين ستقف موقف الضد من أختها، وستعمل على اجتثاثها بكل ما تستطيع، وفوق هذا كله فنحن أمام جهاد، ولكنه الجهاد الأكبر، الذي تبلورت مضامينه في دروس العهد المقضي عليها، بطريقة ناعمة، جعلت من الالتواء والقفز والتحوير والتقديم والتأخير والحذف والتأطير أساليب معتمدة حينما تعاملت مع مضامين ذلك النص، وها نحن اليوم أمام نص آخر، ونخشى عليه المصير ذاته.
إن سبيل انتصارنا على الأعداء في معارك الجهاد الأكبر هذا الذي نحن بصدده، لا يتأتى بالعلم والخبرة، ومراكمة القوة المادية، ووجود صناعات عسكرية متطورة، ولا بضخ الحماس إلى الناس، شعراً ونثراً وخطابةً، إذ المطلوب للقضاء على هذا العدو بكافة رؤوسه التي تطل من ذواتنا بين وقت وآخر، وتتخذ من مناصبنا ومكاتبنا وسلطاننا ومكاسبنا ومنابرنا قلاعاً لمهاجمتنا، هو:
الإيمان بأبعاده العقدية والمعنوية والقولية والعملية، الإيمان المبني على أساس معرفي، يجعله يتداخل مع كل مكونات الروح والجسد، ويصبغها بصبغته، الإيمان القادر على إيجاد المحبة في قلوب معتنقيه، وليست تلك المحبة التي نرمي إليها كتلك المتعارف عليها لدى التصوف والعرفان، وما يماثلهما، ولكننا نعني المحبة الكفيلة بتحويل الإيمان إلى قوة قادرة على تحريك بنيه، بمعزل عن حسابات واعتبارات العقل المصلحي، بحيث تنطلق هذه القوة من داخل الذوات المؤمنة، تحرك الفطرة، فتفجر الذات وتثور عليها، وتتمرد بشكل ملتهب على كل رواسبها وقيودها ونقائصها، التي هي جزء من بواطنها، والبنية الموجدة لعدوها فيها ومنها، قوة لا تقوم على نظم وقوانين طبيعية أو منطقية، وليست كذلك بالجنون واللامنطق، وإنما هي فوق الطبيعة، وأسمى من المنطق، قوة تنطلق من واقع الفناء، لتحقق لمَن وراءها وجوداً إنسانياً حراً وطاهراً، يعيش بروح غايتها الإيثار والتضحية من أجل الناس.
وهذا في اعتقادي هو: غاية ما يريد طالوتنا منا تعقله ووعيه اليوم.

أترك تعليقاً

التعليقات