الإعلام؛ بين بلعام، وإبي ذر
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
عظمة صاحب القلم واللسان عند الله والناس؛ لا تتأتى إلا حين يظل مشتبكاً في الميدان، ثابتاً في مختلف الهزات والظروف لا يسكته مال، ولا يميل به عن الجادة منصب، فهو هو (أبو ذر) على كل حال، إنه يصدع بالحقيقة، ويبث الوعي، ويبين كل أمر، حتى لا تلتبس على الناس الأشياء، فيختلط الحق بالباطل، وترتدي الأوهام زيَ الحقائق، ويظهر الكذب والتدليس بمظهر الصدق والوضوح.
وأما خسة ودناءة وانحطاط هذا الصنف من الناس، الذين أوجبوا لأنفسهم اللعنة من الخلق والخالق؛ فهم ذلك الصنف الذي ما إن يصبح مشمولاً ببر الحكام، مقرباً من الساسة، حائزاً على منصب ما، حتى يسقط سقوط (بلعام بن باعورا) وما هي إلا أيام؛ فتجده وقد احترف الضلالة، وجند نفسه لحرف مسار الناس عن جادة الصواب، وصار مطواعاً بيد المبطلين، يزين للناس سوء أعمالهم، ويبرر للمقصرين والساقطين سقطاتهم، ويبرئ الفاسدين من فسادهم، ضليعٌ في لعق أحذية الساسة في كل مكان وكل زمان ومن أي صنفٍ كانوا، متمكنٌ أيَما تمكنٍ من تحريف الوقائع، وتزييف الحقائق، وتسويق الخرافات، إلى الحد الذي يجعلك ترى الخائن أميناً، والكذاب صديقاً، والظالم الأشد ظلماً من فرعون علماً من أعلام العدل والوحدانية!
لقد وجد الهوى والطمع وكل شر وفساد فيه ملاذاً آمناً، ومرتعاً مهيأً للعيش والتمدد والاستمرارية، لكون نفسه معجونةً بطينة الخبث، مغرقة بتمثل الكبر، نزاعةً إلى التخلص من كل قيد يربطها بالحق، جاحدةً لكل نعمة، زادها في كل ما تعمل الغفلة عن الله، وطريقها المتبع في كل خطوة تخطوها الانحراف عن سراطه، والكفر بتعاليمه.
إنها النفس الخبيثة يا سادة، التي تاهت عن الهدى بعد علمها به، واختارت الضلالة من موقع البغي، لا من موقع الجهل، وعاشت الغفلة، من موقع التمرد والعصيان، إرضاءً لنزعة شيطانية، أو رغبةً في تحقيق مكسب زائل، أو أملاً بالحصول على مكانة معينة، أو تبريراً لحالة من حالات الواقع الفاسد، أو تماهياً مع وضعية مزرية، ومع ذلك فالخيبة منتهاها، وإن بدا لها الأمر سهلاً، فتفتري على الله ما لم ينزل به سلطاناً، أو تعمد لترويج ثقافة الجهل باسم العلم، فيصير الظلم عدلاً بميزانها، أو تقوم بتقطيع كل الدروب المؤدية إلى الكمال والزكاء لدى المجتمع، بحيث تصرف جل ما لديها من وقت أو جهد على ما يغذي الانحطاط، وينمي الدعة، ويعمم السخافات والحماقات والترهات والعبثية على الواقع كله!
وقد قال ربنا الرحمن سبحانه: «وَقَد خَابَ مَنِ ٱفتَرَى»، «وَقَد خَابَ مَن حَمَلَ ظُلما» طه 61، و111، «وَقَد خَابَ مَن دَسَّاهَا» الشمس 10.

أترك تعليقاً

التعليقات