الإنسان الكامل
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي  / لا ميديا -

لن أخوض في غمار الفلسفة، ولن أسلك دروب المتكلمين، ولن أجتذب رؤى العرفانيين، بل سأستنطقُ رحلة حياة قائد عشناه عاطفة، وفكراً، تضحية، وجهاداً، صدقاً ونزاهة، قوة وتواضعاً، علماً وعملاً، زهداً وورعاً، وتقوى وشجاعة، حلماً وصبراً، وثباتاً وعزيمة ورباطة جأش.
نعم لقد مرت بنا شخصية حملت كل تلك الصفات وتمثلتها في سلوكها، ووجدها الناس أمامهم واقعاً عملياً، وهل ثمت بشر سوي يمر على ملمح من ملامح حضور الشهيد "الصماد" ثم لا تعتمل بكلماته خلجات نبضه، وينفتح عليها فكره، وتشرق بما سمع منه روحه، وتزكو نفسه.
إن الشهيد "الصماد" بالنسبة لكل حر قيمة إنسانية خالدة تسكن إليها النفوس الرافضة للفناء، والباحثة عن طريق يقود خطاها صوب الأزلية السائرة مع كل زمن والمُشكِّلة لنواة الوجود لكل جيل. هو الحضور الذي لا يدانيه غياب، والكمال الذي لا يعتريه نقص. ومرد ذلك كله إلى الانتماء لمدرسة الإسلام المحمدي الأصيل، الدين القيم الموسوم بكماله، والذي يعد نعمة امتن الله على الذين ينتمون إليه بإتمامها، فعاشوه أبداً سيراً على طريق ذات الشوكة مهطعين إلى ربهم مبادرين لنصرة دينه وإعلاء كلمته.
إن وقوفنا أمام هذه العظمة هو وقوف مَن يستقرئ امتداد فاتحة كتاب الذكر الحكيم من لحظة تنزلها من الله على نبيه صلى الله عليه وآله، عن طريق جبريل الأمين، لتشكل قاعدة انطلاقة صوب الحقيقة وبالحق كله واضعة القواعد التي بموجبها يساغ إنسان الله ذو الفطرة السليمة لتقوم بما تضمنته هذه السورة، صورة المجتمع المجيد المجتمع الرسالي الذي يعيش عبوديته لله وحده، ولتقوم قيامة الجاهلية بما صنعته من تحولات. وهكذا تتابع الذكر في تنزله من الله على قلب نبيه صلى الله عليه وآله، وقد كانت البداية في "حراء" لتمتد بعدها نطاقات حركة الدعوة إلى الله وتبليغ رسالته، لنقف بعد 14 قرناً من عمر هذه الرسالة، وهي تشق حجب الجهل والضلال، تنتصر للدين، وتعمل بالقرآن كله من أجل تثبيت أسسه، وإبراز جدوائيته، ومن جرف سلمان تخلّقت شمس امتداد الرسالة المحمدية، لنقرأ في طيات سجلات التاريخ عمار وياسر وسمية وأبا ذر وبلال قراءة الواجد لهم في زمنه والمستوعب لصيحاتهم في صرخة أمثالهم من أبناء عصره وبني وطنه وجلدته، وهكذا امتد من غدير خم جريان نهر التولي قيادة وأتباعاً ليتجلى لنا على النهج والخط بحفيده أبي جبريل، فلمسنا وجود علي (عليه السلام) في مرحلة كان الصماد أشترها.
إن الشهيد "الصماد" نتاج لحركة رسالة وتضحية انطلقت من مكة البيت الحرام ليفوح عبق تمسكها بالحق وهي مقبلة على الشهادة في محراب الكوفة لتتلقى الضربة الغادرة وهي تهتف بالبشرى وتعلن فوزها وفلاحها.
إن البحث في "الصماد" ومحاولة الفهم لشخصيته لا يمكن أن تتم لطالبها ما لم يستقرئها ضمن تجارب سابقة لها تحمل ذات التوجه في كل مراحل الصراع بين الحق والباطل، وتعبر عن هذا الامتداد المحمدي ذي المدرسة الواحدة على الرغم من التباعد الزمني بينها.
وخلاصة الأمر إن ثورة كان قائدها الحسين حسين الطف أو مران، لا بد أن تجد فيها نماذج الكمال الإنساني في رحاب الدعوة والعبادة والجهاد، تلك النماذج المتطلعة لرضى الله وهي تسير إليه من محراب العبادة إلى محراب الشهادة.

أترك تعليقاً

التعليقات