حتى لا نضيع من جديد
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
مثلما يعمل الإسلام من خلال القرآن الكريم على تحرير الفرد والمجتمع من نقاط الضعف الداخلية، فإنه يعمل كذلك على تحريرهما من كل العوامل الخارجية، التي تشتمل على بعض مظاهر القوة، فيشعر الإنسان بالضعف والانسحاق أمامها، وكلما استغرق فيها أكثر اقترب أكثر من نقطة السقوط النهائية، التي متى ما بلغها أضاع إنسانيته ودينه وكرامته، لذلك كان لا بد من تأكيد العبودية لله، والتذكير بها بصورة مستمرة، من خلال بيان معناها في مقام أداء العبادات، وفي مقام الحركة والنهوض لتحمّل المسؤولية عن الحياة كلها، ولم تقع الأمة في حالة انعدام الوزن والتراجع والضعف والانهزامية إلا عندما حصرت معنى العبادة في الجانب الروحي والقضايا العبادية التي يجب تأديتها من صلاة وصوم وزكاة وحج، ولا شيء آخر، وعزلت نفسها عن الحياة والواقع، فاستأثر بحكمها ومقدراتها الظالمون والمنحرفون، ووجدت نفسها مجبرة على الخضوع والطاعة لأولئك، إذ غرسوا في ذهنيتها أن ليس لها الحق بأن تعارض أو تنتقد أو تشارك في تقديم رأي يسهم في تصحيح مسار هنا أو حل مشكلة هناك، ولم تصل إلى مثل هذا السقوط والتلاشي إلا بعد أن تغيرت دوافعها في كل شيء، وقد بين ذلك الإمام علي (عليه السلام) إذ يقول: "ليس أمري وأمركم واحدا، فأنا أريدكم لله، وأنتم تريدونني لأنفسكم".
وقد بين عليه السلام، كيف يكون تعامل المسؤول الذي يريد أن يوجه الناس إلى الله، لكي لا يقعوا في حبائل المضللين والمخادعين، إذ قدم لهم بوضوح تام، وشرح مستفيض، حقيقة أن الحاكم والمحكوم عباد الله، ومن منطلق عبوديتهم لله، فإنهم شركاء في تحمل المسؤولية، بل إنه يستثيرهم على حكمه، ويدعوهم إلى المراقبة لكل تحركاته، وتوجيه النقد له، إذ يقول: "فلا تكلموني بما يُكلمُ به الجبابرة، ولا تخشوا مني ما يُخشى عند أهل البادرة، ولا تخالطوني، بالمصانعة، ولا تظنوا بي استثقالاً في حق يعرض علي، أو التماس إعظام لنفسي، فلا تكفوا عن مقولة بحق، أو مشورة بعدل، فإنه من استثقل الحق أن يقال له، أو العدل أن يُعرض عليه كان العمل بهما عليه أثقل، ولست في نفسي بفوق أن أخطئ".
وهكذا تتحقق للأمة المناعة من سيطرة الظالمين والفاسدين، متى ما التزمت هذه المبادئ التربوية وسارت عليها، إذ بمثل هكذا وعي وما يعطيه هذا الوعي من دفعة نحو التفاعل والحركة من قبل الجميع، الذين يعتبرون أنفسهم مسؤولين كلا بحسب موقعه ودوره، لن يكون التغيير آنياً أو لحظيا، بل يصبح جزءا من كيان الأمة ووجودها، لا يمكن لأحد أن يجبرها على تركه والتنازل عنه تحت أي ظرف.

أترك تعليقاً

التعليقات