ثورة الشعب.. لا المذهب
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لم تكن ثورة الحادي والعشرين من أيلول يوماً طائفية أو مناطقية أو عرقية سلالية كما يحاول المرتزقة والخونة وصمها بذلك؛ وإنما هي التعبير الجلي عن شعبية الشعب، ووطنية الوطن.
وإن كان هناك تعيينات تلمس منها عفن المناطقية والقبلية والمذهبية؛ فهي محل نبذ واستهجان ومقت من الثورة ومشروعها، وحالة عدوى أصابت المتنفذين من النظام السابق الساقط. أما الثورة فلا تزال مخلصة لهدفها ورساليتها، ولن تكون إلا للشعب ومنه وإليه. وهذا ليس كلاما شاعريا، بل حقيقة لطالما أكد عليها سيد الثورة في كل توجيهاته ونصائحه، ففي أواخر العام 2016م سمعت سيد الثورة أبو جبريل أعانه الله يقول معاتباً للعاملين في سبيل الله، المعنيين بتحمل المسؤولية في بناء وإدارة الدولة، والنهوض بالفرد والمجتمع فكرياً وتربوياً وسياسياً واقتصادياً وغير ذلك: يا أنصار الله أين ذهبتم بملزمة {ولتكن منكم أمة]؟! وذلك في سياق حثه للمسؤولين في كافة الدوائر والقطاعات والجهات والأجهزة والمؤسسات والهيئات على استقطاب وتفعيل كل الكفاءات والعقول والخبرات الوطنية الحرة الشريفة، بعيداً عن كل الحسابات المصلحية، والدوائر الضيقة، والحدود والفوارق والفواصل والتصنيفات المناطقية والمذهبية والسياسية، كون هذا المشروع مشروعا إلهيا جاء من أجل الناس جميعاً، ولكي تتجلى آثاره ونتائجه في واقعهم، وتصل ثماره إلى كل بيت وقرية ومنطقة ومدينة ومحافظة؛ لا بد من إشراكهم في التحمل لمسؤولية الحركة العملية في البناء والنهوض الحضاري المعبرة عنه، والمبينة لمفاهيمه العميقة والواضحة، وآفاقه الرحبة في واقع الحس والتجربة، ومن منطلق العبودية لله التي تعني الخلاص من كل العوائق والأوثان، والتطهر من العصبيات والإحن والحزازات والنعرات، ليصبح المجتمع مهيأ للوحدة الروحية، قادرا على تحقيق التكامل المادي والمعنوي على مستوى الذات والمحيط الخارجي.
ومع كل تلك النقاط المضيئة هناك أشخاص سقطوا وبدلوا جلوداً غير تلك الجلود التي عُرفوا بها سابقاً، وتجردوا من كل المبادئ والقيم وأضاعوا وضيعوا، لأن ظواهرهم لم تكن يوماً متطابقةً مع بواطنهم، ولأن المعايير التي انبنت وفقها دوافعهم لم تكن إلهية، ولذلك شاهدنا الكاتب فلان والسياسي علان والأديب فلتان بدأوا بداية طيبة وبعضهم حاز الصدارة فنال المنصب والمكانة في ساحة العمل برغم تعدد مناحيها واتجاهاتها، لكنهم بقدر ما اشتهروا بين الناس لم يمنع ذلك عنهم الانحراف والسقوط بالقدر ذاته الذي ألزمهم الانحطاط وألصقهم بالوحول، فما هو السبب الكامن وراء تبدل مواقفهم واختلاف أفكارهم؟
إنه وبدون شك افتقارهم للبناء الثقافي والفكري، لكونهم تصدروا العمل السياسي أو العسكري أو غيرهما.. دون أن يدخلوا من باب الفكر والثقافة الذي يعتبر أساساً وحاجة ملحة، لأن من خلاله نستطيع صياغة الشخصية العاملة في ميادين الثورة وساحات البناء والتغيير على أساس فكري وعملي ونظري لتكون المفاهيم المطروحة قادرة على الوصول إلى العمق الوجداني قابلةً لأنْ تنمو في دواخل العاملين وتنعكس على سلوكياتهم من خلال التجربة الواقعية والتفكير الواعي والعميق ليكون العمل منطلقاً في خط الاستقامة لا متخبطاً في المتاهات إذ تعبث به الرياح كما تعبث بالرمال المتحركة وأوراق الشجر المتساقطة، لأن أي عمل لا يبدأ بمرحلة تربوية وثقافية سوف يكون عرضة للانحراف خاضعاً للارتجال محكوماً بالضياع والفشل.
وختاماً فإن علينا أن نعي بأن: ميدان العمل لله، وساحة التجارة معه، والانضمام إلى أنصاره، والتجند في سبيله سبحانه؛ أمورٌ إذا لم يعطها المرء كل ما لديه، وبخل في المواقع والمواطن والحالات والظروف التي كان بإمكانه أن يقدم حيالها ما ينفع الناس؛ فإنه سيجد نفسه غير قادر على العطاء في مراحل تقدم المشروع والثورة، وتغير الظروف، واتساع مستوى المخاطر والتحديات، حاله حال صاحب سلعة تجارية قديمة، تجاوزها الزمن ولم يعد الناس بحاجة لها، إذ قد بات لديهم ما هو أفضل وأجود وأنفع منها.

أترك تعليقاً

التعليقات