كيف نحرر الفكر من سجون السلطة؟
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لقد ظل الفكر والمثقف في عالم العروبة والإسلام أسيرين بأيدي مجموعة من السلطات، وليست المشكلة كما سبق وبينا في عدد الأمس، مقتصرة على الهيمنة التي تفرضها السلطة السياسية فحسب، فهناك سلطات أخرى تقوم بذات الدور الذي يمارس على يد السلطة السياسية، وكم كشف لنا الماضي والحاضر من طرق وأساليب لا تحصى؛ مارستها تلك السلطات؛ بهدف الترويع والقمع والاغتيال لحملة الفكر، وأرباب الكلمة، الذين لا هم لهم سوى خلود الحق، وبيانه، وتعميمه، ودفع الناس إلى القيام بمقتضياته! فهناك سلطة المال، تدعمها سلطة رجال الدين، فيشكلان معاً طبقة الملء، بمفهومها القرآني، وهناك السلطة الناشئة عن التركيبة الاجتماعية، في أكثر من بلد عربي، والتي لاتزال تسير وفق نظم عشائرية وقبلية، وتفرض هيمنتها بالقوة على تلك الشعوب والبلدان، ثم بلينا كذلك بسلطة لا تقل بشاعة عن سابقاتها؛ هي سلطة الإعلام، تدعمها سلطة المثقفين الذين يتم تأطيرهم ضمن بنية المؤسسات والأجهزة والهيئات الإعلامية، فتضمن بذلك لنفسها توفر الأداة التي بها ستمارس فعل السلطة تجاه أرباب الفكر والثقافة، الذين سوف يتم ضربهم بأدوات من داخلهم، وبذات السلاح الذي يملكونه، وبهذا ينال الأحرار ما الله به عليم من إقصاء وتهميش وتقزيم وبخس وتطفيف وتشويه وتحقير! وينتهي المطاف عند سلطة الرأي العام، أو الأغلبية، التي ظل المثقفون جميعهم يخشونها، إلا مَن رحم الله منهم وهم قلة، الأمر الذي يجعلهم تحت تأثير الخوف من مصادمة الأغلبية، وخسارة الجماهير المؤيدة لهم؛ لذلك فسيفضلون القول بما يرضي تلك الأغلبية، وإنْ كان سبباً لقتل الحقيقة، وتحطيم الواقع، ويسيرون معهم أينما اتجهوا، فلا مانع لديهم من متابعة السواد الأعظم من الناس، حتى وإن كان ذلك سيؤدي بهم إلى مخالفة كل ما كانوا يدعون التزامه من قناعات وأفكار ومبادئ.
إن عالمنا العربي والإسلامي هو أكثر بقاع الدنيا إنتاجاً لوعاظ السلاطين عبر التاريخ، وليس وعاظ السلاطين كمصطلح مقتصراً على الفقهاء، بل هو أوسع بكثير من ذلك! إذ سنجد الكثير من الفلاسفة والمؤرخين واللغويين والأدباء والشعراء كانوا وعاظاً للسلاطين، ولكن بقينا أسارى لذاكرتنا التاريخية التي حصرت تصورنا عما يوحي به هذا المصطلح عند الفقهاء، مع أن كل مَن يبرر لنفسه السكوت عن الحق، ويسلك مسلك الخبثاء وعديمي الدين والضمير والخلق؛ هو من وعاظ السلاطين.
وأما إذا أردنا العمل على تحرير الفكر والثقافة وأربابهما من سجون السلطة أياً كانت؛ فلا بد من العمل على جعل هؤلاء المثقفين والمفكرين يعون أنهم ذوات محترمة، ذات قوة وفاعلية لتغيير الواقع وإصلاحه، لهم من الاستقلالية والتقدير ما يتيح الفرصة أمامهم لقول الحق في كل الظروف، وبيان الخلل والتنبيه بوجود الخطر مع كل الجهات، وذلك لن يتحقق إلا متى تم إيجاد نظم اجتماعية واقتصادية تمنح المثقف والمفكر الشعور بالتوازن في الواقع الفردي والجماعي، وهكذا يصبح أرباب الفكر والثقافة، وحملة مشعل الكلمة قادرين على العطاء، في سياق حركة دائمة نحو النقد والبناء، لكونهم صاروا أحراراً إذ بات الفكر لديهم ينطلق في كل اتجاه، بعد أن تخلص من أخطر القيود التي عانى منها على امتداد الزمن.

أترك تعليقاً

التعليقات