مهمة حماة إرث الشهداء
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
الكاتب أو الإعلامي الذي يرى نفسه واحداً ضمن أمةٍ عظماؤها شهداء؛ لا يدخل الميدان إلا بروحية المقاتل؛ كما يأبى على نفسه أن يصير يوماً متصالحاً مع أي انحراف، أو مهادناً للفساد، أو ساكتاً عن الظلم، أو مجملاً للقبح.
إنه يدرك أن مهمته: كشف الخلل، واستئصال المرض، وقطع أي عضوٍ فاسد من أعضاء الجسد الثوري، حفاظاً على بقية الأعضاء من العدوى، التي في ما لو ظل ذلك العضو موجوداً فسوف يصيبها ما أصابه.
إن الذين يحملون روحية الذين نذروا أنفسهم وأوقاتهم، وسخروا أقلامهم وألسنتهم ومواهبهم، نصرةً لله، وتقويةً للحق؛ يطلقون كلماتهم وهم متسلحون بالأمل، الذي به يتحركون في قلب الظلمات، ليصنعوا من خلال ثقتهم بالله، وإيمانهم بقدراتهم وإمكانياتهم التي أودعها الله في تركيباتهم الذاتية المادية والمعنوية، إلى جانب كل ما سخره لهم في الأرض والسماوات، مقالعَ الضوء المبددة لكل الظلمات في مطالع الشروق، فلا يأس ولا انهزامية، فيوم ما سيأتي لنهدم فيه كل تلك الأسوار المبنية من الصخور الصماء، التي تحول بيننا وبين التغيير الكامل والإصلاح التام والحقيقي، نعم سنهدم كل تلك الأسوار ببشريها وحجريها، ونستأصلها من جذورها، ناهيك عن أن نؤثر فيها.
إن مهمة الكاتب الوارث لدماء الشهداء هي: القيام بتحويل كل ما تميز به الشهداء في الدم والروحية والحركة إلى أفكار ومبادئ تصاغ بموجبها الشخصية الاجتماعية، لنصير بعد ذلك نعيش في ظل (مجتمع الفضيلة).
وهو المجتمع الذي أصبح في غاية السمو والكمال، وقد وردت مواصفاته في كثير من آيات الذكر الحكيم، ومن تلك الآيات التي ركزت على أهم ما يميز ذلك المجتمع، ويمثل عنواناً لجميع تحركاتهم، وأساساً تبنى عليه جميع مواقفهم، وقيمةً تصاغ بموجبها أخلاقياتهم، وقاعدةً مرجعيةً لجميع مبادئهم، هي قول الله تعالى: «ومن الناس مَن يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوفٌ بالعباد».
وكأن هذه الآية توحي في ما تعطيه من مفاهيم وأبعاد حركية، أنه لا سبيل لمواجهة الفساد والإفساد، الذي يسعى إليه أولئك الذين يغرقون في ذواتهم، ويبتعدون عن ربهم، ويتمادون في مخالفة هداه وشريعته، ويتخذون من التضليل بمختلف أنواعه، سبيلاً للوصول إلى غايتهم التي عبر عنها قول الله تعالى: «وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل»، لا سبيل لذلك إلا بوجود هذه الفئة التي بلغت قمة الصلاح في نفسها، المتمثل باستعدادها للبيع من الله، ولأنها قد باعت النفس منه فإن هذا الأمر يفرض عليها التحرك لمواجهة المفسدين، الذين يهددون حياة الناس بكل مظاهرها، وهذا هو الإصلاح الحقيقي، لأنه قائمٌ على بيع النفوس من الله، وصدق التوجه إليه، والالتزام التام بهداه، والغاية والقصد من كل ذلك هو نيل رضاه وحده سبحانه.
إن أي تراخٍ من قِبَل الحماة لإرث الشهداء؛ سيتيح المجال لأقلام وألسن من نوع آخر؛ هو بالطبع أخطر على الثورة من كل أسلحة الدمار الشامل!
ولعل المتتبع لمعظم الناشطين في شبكات التواصل الاجتماعي، وكيفية تعاملهم مع ما يكتبه هذا المسؤول أو ذاك على حائطه الشخصي، يدرك حجم الخطورة فعلاً، إذ سيجد هناك مجاميع لا يُستهان بها، لا هم لها سوى الترويج لكل ما يقوله ذلك الشخص، ودون أدنى وعي أو معرفة، فالذي يهمهم فقط هو أن فلاناً هو الذي كتب ذلك الكلام، وما دام أنه قد صدر منه فلا حاجة للتدقيق والتمحيص، لأن مفهوم هؤلاء -الذين قد يصل عددهم إلى الآلاف المؤلفة- عن الحق مفهوم خاطئ، فهم لا يعملون على معرفة الأشخاص بناءً على معرفتهم بالحق، الذي يحدد لهم المقاييس التي يعرفون بها الصادق من الكاذب، بل يرتبطون بأشخاص ارتباطاً عاطفياً، محكوماً بالعصبية والانفعال، وعليه يصبح الحق من وجهة نظرهم هو: كل ما يقوله ويعمله أولئك الأشخاص الذين يشغلون مناصب مهمة في الدولة، أو يحتلون مراكز متقدمة هنا أو هناك... وهكذا يتدافعون لكيل الثناء والمديح لهم، وقد صدق أحد الرفاق الأعزاء إذ يقول: «لقد بُلينا اليوم بناشطين كثر يعملون على تبييض صفحات أشخاص معينين، ويبذلون كل ما بوسعهم من أجل تقديمهم للناس على أنهم هم الأتقى والأنقى، والأبر والأزكى، والأكمل والأعدل، إلى درجة أنه لو تثاءب أحد أولئك المسؤولين لضجت الدنيا بالصراخ والتصفيق من قبل أولئك القطعان البشرية».
ونحن هنا لا ندعو لعدم التعامل باحترام وتقدير بين عامة الناس وخاصتهم، وإنما ندعو إلى ترشيد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبين المدير والموظف، وبين كل مسؤول ومَن يقعون في نطاق مسؤوليته، بناءً على القواعد الكلية والمبادئ الإسلامية العامة، التي حددت الحدود ووضعت القيود والضوابط التي تحفظ لكل إنسان كرامته وإنسانيته، على ضوء ما قدمه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهو في موقع الخلافة أميراً للمؤمنين، إذ يقول: «ما لهؤلاء الرؤساء الذين يترأسون؟! فوالله ما خفقت النعال خلف الرجل إلا ضل وأضل».
فهو (عليه السلام) يحذرنا من كل السلوكيات التي توحي لهذا المسؤول أو ذاك بالزهو والعظمة، لأن ذلك سيجعله ينسى دوره وينسى نفسه، ويؤدي به إلى أن يضل ويُضل أتباعه ومريديه، نتيجة الشعور الذي ينتابه جراء ما يحظى به من اهتمام، وينعم به من مدح وتكريم وتقديس وثناء، بحيث يصل إلى الحد الذي لا يرى فيه أحداً إلا نفسه، فهو فوق كل شيء وما دونه لا شيء.

أترك تعليقاً

التعليقات